وكذلك من يدخل منهم على سلطان، ويتودد إليه، ويثنى عليه، ويتواضع له ويقول: إنما غرضي بهذا أن أشفع في مسلم عنه الضرر، والله يعلم أنه لو أظهره لبعض أقرانه قبول عند السلطان لثقل عليه ذلك.

وقد ينتهي غرور بعضهم أنه يأخذ من مالهم الحرام ويقول: هذا مال لا ملك له، وهو لمصالح المسلمين، وأنت إمام من أئمتهم، فيغير بهذا التلبيس من جهة نظره إلى نفسه. وربما كان دجالاً من الدجالين من جهة قوله: هذا مال لا ملك له. وغاية الأمر وقوع الاختلاط في الأموال، وذلك لا يمنع كونهما حراماً، وقد يكون عالماً بمن أخذ منه المال.

وفرقة أخرى أحكموا العلم، وطهروا جوارحهم وزينوها بالطاعات، وتفقدوا قلوبهم بتصفيتها من الرياء والحسد والكبر ونحو ذلك، ولكن بقيت في زوايا القلب خفايا من مكائد الشيطان وخدع النفس لم يفطنوا لها وأهملوها، فترى أحدهم يسهر ليله وينصب (?) نهاره في جمع العلوم وترتيبها وتحسين ألفاظها، ويرى أن باعثه على ذلك الحرص على إظهار دين الله تعالى، وربما كان الباعث لذلك طلب الذكر وانتشار الصيت، ولعله لا يخلو في تصنيفه من الثناء على نفسه، إما صريحاً بالدعاوى الطويلة العريضة، وإما ضمناً بالطعن في غيره ليبين في طعنه في غيره أنه أفضل من ذلك الغير، وأعظم منه علماً. فهذا وأمثاله من خفايا العيوب التي لا يفطن لها إلا الأكياس الأقوياء، ولا مطمع فيه لأمثالنا من الضعفاء، إلا أن أقل الدرجات أن يعرف الإنسان عيوب نفسه، ويحرص على صلاحها.

ومن سرته حسنته وساءته سيئته، فهو مرجو أمره، بخلاف من يزكى نفسه ويظن أنه من خيار الخلق. فهذا غرور الذين حصلوا العلوم المهمة، فكيف بالذين قنعوا من العلوم بما لا يهمهم وتركوا المهم.

فمنهم من اقتصر على علم الفتاوى في الحكومات والخصومات وتفاصيل المعاملات الدنيوية الجارية بين الخلق لصلاح المعايش، وربما ضيعوا الأعمال الظاهرة وارتكبوا بعض المعاصي من الغيبة والنظر إلى ما لا يحل، والمشى إلى ما لا يجوز، ولم يحرسوا قلوبهم عن الكبر والحسد والرياء وجميع المهلكات، فهؤلاء مغرورون من وجهين: أحدهما من حيث العمل، والآخر من حيث العلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015