ودفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - سيفه إلى أبي دجانة.
وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر - عبد عمرو بن صيفي - الفاسق. وكان يسمى الراهب. وهو رأس الأوس في الجاهلية. فلما جاء الإسلام شرق به وجاهر بالعداوة. فذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه. فلما ناداهم وتعرف إليهم قالوا: لا أنعم اللَّه بك عينا يا فاسق. فقال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا. ثم أرضخهم بالحجارة.
وأبلى يومئذ أبو دجانة وطلحة وحمزة وعلي والنضر بن أنس وسعد بن الربيع بلاء حسنا. وكانت الدولة أول النهار للمسلمين. فانهزم أعداء اللَّه وولوا مدبرين. حتى انتهوا إلى نسائهم. فلما رأى ذلك الرماة قالوا: الغنيمة الغنيمة. فذكرهم أميرهم عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - فلم يسمعوا. فأخلوا الثغر وكر فرسان المشركين عليه فوجدوه خاليا. فجاءوا منه وأقبل آخرهم حتى أحاطوا بالمسلمين فأكرم اللَّه من أكرم منهم بالشهادة - وهم سبعون - وولى الصحابة.
وخلص المشركون إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - فجرحوه جراحات وكسروا رباعيته. وقتل مصعب بن عمير بين يديه. فدفع اللواء إلى علي بن أبي طالب. وأدركه المشركون يريدون قتله. فحال دونه نحو عشرة حتى قتلوا. ثم جلدهم طلحة بن عبيد اللَّه حتى أجهضهم عنه. وترس أبو دجانة عليه بظهره والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك.