قال: كانت صيدا وبيروت مع الأمير سيف الدين علي بن أحمد المشطوب وهما لمجاورة صور معرضتان للخطوب وقد وصلت كتبه محرضة على حصار صور خاصة وعلى بنان التندم لخوف فوات الفرص خاصة وإنها بالمرابطة فيها والصابرة عليها تملك وفي كل يوم فرصة إذا فاتت لا تستدرك وإلى متى البث وحتام المكث ولم يبق في النفس إلا حاجة صور فانهضوا إليها عسكر المنصور فقد أينع في القلوب غرس ضمها وما بقي في كنانه الكفر غير سهمها ولا بد من العزم الجزم في خوض هذا الخضم وكف الملم وكفاية المهم فرحل السلطان عن القدس بالبوارق الملتمعة والفيالق المجتمعة والأفلاك بكواكبها والأملاك بمواكبها وكان الملك الأفضل قد رحل قبله بأيام ليحكم ما بعكا التي يتولاها من أسباب وأحكام ثم تبعه الملك المظفر تقي الدين ثم رحل السلطان في اليوم المذكور وودع ولده الملك العزيز وسار معه منزلة وأعاد إلى مصر عزيزها وجدد بمحاسنه تطريزها وذلك آخر العهد بلقاءه وإن مد الله سبع سنين بعد الفتح في حياة السلطان وبقاءه ثم استصحب معه الملك العادل واستظهر بصحبته ووصلنا إلى عكا يوم الخميس مستهل رمضان وبصور من خبر مصيرنا ما أقعد الكفر وأقامه وكان المركيز قد حفر الخندق للبلد من البحر إلى البحر قدامه ووثق سورة وأسعر عليه مساعيره وبنى بواشيره وأحكم " في التعمير تدبيره " واستكثر إلى جموعه العدد كثر من جنوده العدد ورحلنا إلى صور بقوايم قوية وصوارم ظامية روية ووصلنا إليها يوم الجمعة تاسع الشهر وخيمنا بإزاء السور بعيداً منه على النهر وأقمنا ثلاثة عشر يوماً حتى تلاحقت الأمداد وتكاتفت العدد وتكاثرت الأعداد وهيأنا آلات الحصار وتنكبنا عنها عن نهج الاقتصاد والاقتصار وحول السلطان مضاربه إلى تل قريب من السور مشرف منه على الجمهور " وكان تحوله إليها يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر وأقام مقامه المصابر الصبور" وحجز على السفهاء العدى بالحجازات وضايقهم بالأبراج والمنجنيقات والعرادات والدبابات وقد تكفل كل واحد من الملوك بجانب يكفيه فالملك العادل سيف الدين بدر في جانبه وتحرف الأقران بمضاء مضاربه، وتقي الدين في جانب آخر نازل منازل مقابل، والملك الأفضل خيمته من وراء السلطان قريبة وعزمته لدعاء الصباح مجيبه الأمراء والكبراء وعساكر ملوك الأطراف والحاضرون في الخدمة لا يحصون ولا يحصرون ونحن نرجو من الله أنهم على أعداء الله ينصرون. وفي هذه الأيام وصل الملك الظاهر غياث الدين غازي غازياً وللدين بقيامه وافياً واستظهر السلطان بالظاهر ابنه وركن إلى شدته لشدة ركنه وأنزله بقربه ورتب رجاله في أماكنها وأبطاله في مكامنها وعين لها مواقفها في مياسرها وميامنها وتعاضد أولياء الله على قتال أعدائه وانتظروا نزول نصره من سمائه وكانوا يقاتلون (سماء) صباح مساء وفي كل يوم بل في كل ساعة بأس شديد وقتال جديد ونوال مبيد (238 أ) وأما المنجنيقات فإنما شقت حجاب السور بشورة الأحجار وهتكت ما نضدته للستاتر من الستار الأبراج فانقضت على الكفر من النضال نجومها وقذفت الشياطين من القوارير رجومها واستدعى السلطان السطول المصري وكان بعكا فجاءت منه شوان عشر لها على القتال ضم ونشر جبالها "تمر مر السحاب" وهضابها تجرى في الأمواج على الهضاب. وكانت للفرنج في البحر مراكب خفاف وحراريق لها بحريق النصال قذاف وفيها رماه الجروخ والزنبوركات والنكابات بالناوكات فهي تجرى بقرب الساحل موتره للمنايا موثرة للمنايا يرمون من دنا من البحر ويدمونه ويصممون على ماقاتلهم فلما جاء أسطولنا استطال عليها وأبعدها من صور وحواليها فأجترأنا على الدنو من البحر والهجوم عليهم فيه بالقهر، وأحطنا بهم وقاتلناهم براً وبحراً وصدعنا أكبادهم رعباً وذعراً وكاد الفتح لنا يتم والحتف فيهم يهم ونحن نحرص ونحرس ونقتص ونفرس فبينا نحن في أهنأ ظفر وأصفى ورد وصدر إذا أصبنا ليلة وفجعنا بقطع مدده الموصول وذلك ان رئيسه عبد السلام المغربي ومتوليه بدران الفارسي ومقدميه ورجاله ألفوا على الاستقامة أحواله واغتروا بالأقدار ونعسوا ولم يحترسوا عن نوايب الأسحار وذلك أن خمس شوان منها كانت بإزاء البلد في بعض الليالي مرساة بإرصاد العيون على الكفر معراة فنامت بإزاء ميناء صور وقد نسى المقدور وجرت إلى السحر ومالت إلى راحة العين من تعب السهر فما شعروا إلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015