{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: 10] (?) فسرت بإحراق المؤمنين بالنار، واللفظ أعم، وحقيقته: عذبوا المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم.

وأما الفتنة المضافة إلى الله كقوله: {فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الأنعام: 53] (?) {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف: 155] (?) فهي الامتحان بِالنِّعَمِ وَالْمَصَائِبِ، فَهَذِهِ لَوْنٌ وَفِتْنَةُ الْمُشْرِكِينَ لَوْنٌ، وفتنة المؤمن في ولده وماله وجاره لون آخر.

والفتنة بين أهل الإسلام، كأهل الجمل وصفّين لون آخر، وهي التي أمر فيها - صلى الله عليه وسلم - باعتزال الطائفتين.

وَقَدْ تَأْتِي الْفِتْنَةُ مُرادا بِهَا الْمَعْصِيَةُ، كَقَوْلِهِ تعالى: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التَّوْبَةِ: 49] (?) أَيْ: وَقَعُوا فِي فِتْنَةِ النِّفَاقِ، وَفَرُّوا إليها من فتنة بنات بني الأصفر.

والمقصود أنه سبحانه حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل، ولم يؤيس أولياءه إذا كانوا متأولين أو مقصرين تقصيرا يُغفر لَهُمْ فِي جَنْبِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ التَّوْحِيدِ والطاعات والهجرة.

[فصل في غزوتي بدر وأحد]

فصل فَلَمَّا كَانَ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بلغه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرُ الْعِيرِ الْمُقْبِلَةِ من الشام، فندب للخروج إليها ولم يحتفل لها، لِأَنَّهُ خَرَجَ مُسْرِعًا فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رجلا معهم فرسان على سبعين بعير، يعتقبونها، وبلغ الصريخ مكة، فخرجوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 47] (?) فَجَمَعَهُمُ اللَّهُ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، كَمَا قَالَ تعالى: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} [الأنفال: 42] (?) الآية، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - خروجهم اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ.

فَتَكَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ، فَأَحْسَنُوا، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ ثانيا، فتكلم المهاجرون، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ ثَالِثًا، فَفَهِمَتِ الْأَنْصَارُ أَنَّهُ يَعْنِيهِمْ، فبادر سعد بن معاذ، فتكلم بكلامه المشهور، فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ ! والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادنا إلى برك الغماد لفعلنا. وقال المقداد كلامه المشهور، فسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما سمع من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015