أصحابه وقال: «سيروا، وأبشروا، فإن الله وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَصَارِعَ القوم» .
فسار إلى بدر، فلما طلع المشركون وتراءى الجمعان، قام ورفع يديه، واستنصر ربه، واستنصر المسلمون الله، واستغاثوه، فأوحى الله إليه: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] قُرِئَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا، فَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنَّهُمْ ردف لكم، وقيل: يردف بعضهم بعضا لم يأتوا دفعة واحدة، فإن قيل: هنا ذكر ألفا، وفي (آل عمران) بثلاثة آلاف وبخمسة، قيل: فيه قولان:
أحدهما: أنه يوم أُحد، وهو معلق على شرط، ففات وفات الإمداد.
والثاني: يوم بدر، وحجته أن السياق يدل عليه، كقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ - إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ} [آل عمران: 123 - 124] الآية إلى قوله: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} [آل عمران: 126] (?) . فلما استغاثوه أمدهم بألف، ثم بثلاثة، ثم بخمسة، وكان متابعة الْإِمْدَادِ أَحْسَنَ مَوْقِعًا وَأَقْوَى لِنُفُوسِهِمْ، وأسرَّ لَهَا.
وقال أهل القول الأول: القصة في سياق أُحد، ودخول بدر اعتراض، فذكرهم نعمته ببدر، ثُمَّ عَادَ إِلَى قِصَّةِ أُحد، وَأَخْبَرَ عَنْ قول رسوله لهم: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ} [آل عمران: 124] الآية، ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا أن يمدهم بِخَمْسَةِ آلَافٍ، فَهَذَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِهِ، وَالْإِمْدَادُ الَّذِي بِبَدْرٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى، وَهَذَا بِخَمْسَةِ آلَافٍ، وَإِمْدَادُ بَدْرٍ بِأَلْفٍ، وَهَذَا مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، وَذَلِكَ مُطْلَقٌ، وَالْقِصَّةُ فِي سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) هِيَ قِصَّةُ أُحد مُسْتَوْفَاةٌ مُطَوَّلَةٌ، وَبَدْرٌ ذكرت فيها اعتراضا، وفي (الْأَنْفَالِ) قِصَّةُ بَدْرٍ مُسْتَوْفَاةٌ مُطَوَّلَةٌ، فَالسِّيَاقُ فِي (آلِ عِمْرَانَ) غَيْرُ السِّيَاقِ فِي (الْأَنْفَالِ) يُوَضِّحُ هذا هنا أَنَّ قَوْلَهُ: {وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} [آل عمران: 125] قال مجاهد: يَوْمُ أُحد، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْإِمْدَادُ الْمَذْكُورُ فِيهِ، فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ: إِنَّ الْإِمْدَادَ بهذا العدد كان يوم بدر، والإتيان من فورهم يوم أحد.
ولما عزمت قريش عَلَى الْخُرُوجِ، ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي كِنَانَةَ مِنَ الْحَرْبِ، فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صورة سُراقة بن مالك، وقال: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الأنفال: 48] (?)