وتفرق الماء يميناً وشمالاً، وبدت الأرض يابساً، فقالت بنو إسرائيل: إنا نخاف أن يغرق بعضنا ولا يراه إخوانه، غير أنا نحب أن يكون البحر أبواباً، ليرى بعضنا بعضا، فصار لهم أبواباً ينظر بعضهم إلى بعض. وكان طول الطريق فرسخين، وعرضه فرسخاً، فأتبعه فرعون بجنوده.
ولما جاز بنو إسرائيل البحر ولم يبق منهم أحد، بقي البحر على حاله، وأقبل فرعون عدو الله وهو على حصان من دهم الخيل، ووقف على شفير البحر، والبحر رهواً ساكناً على حاله، فأراد موسى أن يضرب بعصاه البحر فتركه كما كان، فأوحى الله إليه أن أترك " البحر رهواً إنهم جند مغرقون " فتركه على حاله خامداً، فلما أبصر فرعون البحر خامداً اثني عشر طريقاً يقول لجنوده: ألا ترون البحر كيف أطاعني، وإنما فعل هذا لتعظيمي وما ينشق إلا فرقاً مني لأنه علم أني سأتبع بني إسرائيل فأقتلهم، ولم يعلم عدو الله أن الله مكر به من حيث لا يشعر، فانطلق ليقتحم في البحر، وجالت الخيل فعاينت العذاب، فنفر الحصان الذي هو عليه، وجالت الخيل فأقحموها، فعاينت العذاب فلم تقتحم، وهابت أن تدخل البحر، فعرض له جبريل على فرس له أنثى ودق، فقربها من حصان فرعون، فشمها الفحل فتقدم جبريل أمام الحصان، فاتبعها الحصان وعليه فرعون، فلما أبصر جند فرعون أن فرعون دخل نادت أصحاب الخيل: يا صاحب الرمكة! على رسلك لتتبعك الخيل. فوقف جبريل حتى وافت الخيل ودخلوا البحر، وما يظن فرعون إلا أن جبريل فارس من أصحابه، فجعلوا يقولون له: أسرع الآن فقد دخلت الخيل، أسرع يسرع الخيل في إثرك. فجعل جبريل يخب إخباباً وهم في إثره لا يدركونه، حتى توسط بهم في أعمق مكان في البحر، وبعث الله عز وجل ميكائيل على فرس آخر من خلفهم يسوقهم ويقول لهم: التحقوا بصاحبكم. حتى