قومه راجعاً، فأيس القوم، فأتاه جبريل بن يوحائيل المؤمن فقال له: يا موسى! يا نبي الله! أليس وعدك الله البحر؟ قال: نعم. قال: فلن يخلفك، فناج ربك. فبينا هو كذلك إذ جاءه خازن البحر فسلم عليه، فقال له: يا موسى! أتعرفني؟ قال: لا. قال: أنا خازن البحر. قال: فما أوحى الله إليك في أمر فرعون شيئاً؟ قال: يا موسى! والله إني لخامس خمسة من خزان الله، والله ما أدري ما الله صانع بعد بفرعون، ولقد خفي علي أمره، فإن الله وعدك وهو منجز ذلك، فتضرع إلى ربك. فتضرع موسى إلى الله وقال: يا رب! قد ترى ما يقول بنو إسرائيل وما قد كربهم، وما نزل بهم من سوء الظن، فأسألك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف، فرج عنا هذا الكرب، ونجنا من فرعون، وأبدل لنا مكان الخوف أمناً، كي نسبحك كثيراً ونعبدك حق عبادتك.
واختلط خيل فرعون بخيل موسى، وخرج فرعون معلماً على فرس، له حصان وكانت لحيته تغطي قربوس سرجه، ولمته من خلفه تغطي مؤخر سرجه، وعليه درع من ذهب، قد علاه بالأرجوان، فلما رأى ذلك الله عز وجل مما دخل في قلب موسى وقلوب بني إسرائيل أوحى الله إلى موسى أني قد أدبت البحر أن يطيعك، فاضرب " بعصاك البحر " فضرب موسى البحر " فانفلق " اثنا عشر طريقاً، ودعا موسى أصحابه فقال لهم: هلموا فثم ثم. قال: اللهم أجعل هذا البحر غضباً ورجزاً ونقمة على فرعون وقومه، ونجنا جميعاً، فإنا جندك ونحن أهل الذنوب والخطايا. قال: فصار البحر كما قال الله اثني عشر طريقاً يابساً وهو قوله: " واترك البحر رهواً " يعني سهلاً دمثاً، لا تخاف دركاً من فرعون وجنوده، ولا تخشى البحر يغرقك ومن معك.
قال: فلما كان البحر " كالطود العظيم " كل فرقة منه يعني كالجبل العظيم.