فإذا كان كذلك فمما لا شك فيه؛ أن مخلوقاته تعالى, إما أن يكون خلقها في ذاته تعالى فهي حالة فيه, وهو حال فيها وهذا كفر لا يقول به مسلم, وإن كان هو لازم مذهب الجهمية وغلاة الصوفية الذين يقول قائلهم: "كل ما تراه بعينك فهو الله" تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وإذا كان الأمر كذلك, فمخلوقاته تعالى بائنة عنه غير مختللطة به. وحينئذ فإما أن يكون الله تعالى فوق مخلوقاته, وإما أن تكون مخلوقاته فوقه تعالى وهذا باطل بداهة فلم يبق إلا أن الله تبارك وتعالى فوقها, وهو المطلوب المقطوع ثبوته في الكتاب والسنة, وأقوال السلف ومن جاء بعدهم من الأئمة على اختلاف اختصاصاتهم, ومذاهبهم كما ستراه مفصلا في الكتاب إن شاء الله تعالى.
ومن هنا نعلم مبلغ ضلال الجهمية ومن تأثر بهم من الخلف الذين أنكروا جميعا أن يكون الله تعالى على عرشه فوق خلقه, ثم انقسم هؤلاء على مذهبين:
الأول: مذهب الجهمية الذين ذهبوا إلى أن الله تعالى في كل مكان مخلوق 1. وقد جادلهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى. فأحسن جدالهم
وكشف به عوارهم, فقال في رسالة "الرد على الجهمية"1:
"وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله سبحانه وتعالى حين زعم أنه في كل مكان, ولا يكون في مكان دون مكان, فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فيقول: نعم. فقل له: فحين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه؟ فإنه يصير إلى أحد ثلاثة أقاويل:
أ- إن زعم أن الله تعالى خلق الخلق في نفسه كفر, حين زعم أن الجن