كأن الشريعة تكافئها ما دامت تحبس نفسها على رعاية هذا الطفل، فأثبت لها حق الحضانة وأثبت لها كذا وكذا من هذه الحقوق، لكن إذا نازع حق الطفل حق آخر تلتقي الحضانة إلى من يتفرغ للعناية بالطفل.
هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يسير في المدينة بقامته المديدة وهيبته الظاهرة، يرى في ناحية من الطريق ابنه عاصمًا الذي أنجبه من امرأة أنصارية كان قد طلقها رآه يسير مع جدته لأمه فانتزعه منها بقوة بدنه وقوة شخصيته هذا ابنه، وكان مع جدته لأمه لكن العجوز التي كانت تدرك أنها تعيش في دولة لا يظلم فيها أحد، وأن الحق أكبر من عمر - رضي الله عنه -، لن تتركه بل أخذت تنازعه الولد وخاصمته بين يدي خليفة المسلمين أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، فانتزع الصديق الطفل من يده بقوة الحق، وقال له عبارته المشهورة الخالدة المعبرة عن روح الحضارة الإسلامية ورسالة الإسلام التي جاءت رحمة للعالمين، انتزعه الصديق من عمر وأعاده إلى جدته أمه وقال له «ريحها ومسها ومسحها وريقها خير له من الشهد عندك» بهذه العبارات العاطفية الكاشفة بين الصديق - رضي الله عنه - العواطف الإنسانية التي يضمها قلب الأم الرؤوم، فإذا كانت الأم تغدي وليدها بما يدره جسدها من غذاء صالح لنموه، فهي بنظراتها وبشاشتها وحنانها وهزها له في المهد، وابتسامتها له في الحجر، ومناغاتها له، تقدم له غذاءًا عاطفيًا يتعاون مع الغذاء المادي في تنميته وقوته، وإن كان هذا الغذاء المادي بسيطًا فهو أفضل من الشهد عند أبيه في غياب أمه.
أيضًا كفلت الشريعة الإسلامية حق الطفل في كف الأذى عنه وتمثل ذلك في الختام وحلق الرأس وغير ذلك فمن مظاهر الاهتمام بنظافته إلى جانب حقه في التربية والتعليم والتأديب.
نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
* * *