لقد أدرك المسيح أنه لن يحقق القومية اليهودية بالصورة التي أرادها اليهود، ولهذا قال: "مملكتي ليست من هذا العالم".
ولعله كان يقصد بملكوت الله حالة روحية سامية يصل إليها الأبرار والأطهار كما قال: "ملكوت الله في داخلكم".
ولقد ظل المسيح زمناً طويلاً لا يرى في نفسه إلا أنه أحد اليهود، يؤمن بأفكار الأنبياء، ويواصل عملهم ويجري على سنتهم، فلا يخطب إلا في اليهود، بدليل أنه التقى بالمرأة السامرية عند البئر، فقال لها: "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فسنجد لما نعلم" ولما طلبت منه امرأة كنعانية أن يشفى ابنتها أبى في أول الأمر وقال لها: "لم أرسل إلا خراف بيت إسرائيل الضالة".
لقد كان متمسكاً بشريعة موسى، حتى إنه لما شفى الأبرص قال له: "اذهب أر نفسك للكاهن، وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم.
وإنه كان يلزم اليهود بشريعة موسى بقوله: "كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تخفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعلموا لأنهم يقولون ولا يفعلون".
ولما عرض عليه أن يغير الشريعة أبى، وتمسك بالشريعة الموسوية قائلاً: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمل".
هل كانت تعاليم المسيح جديدة؟
الواقع أنه لا جديد فيما جاء به المسيح من تعاليم، فإن بشارته بمجئ ملكوت الله قد وقع نظيرها قبل مجيئه بقرن من الزمان، وأن الناكوس قد حرص على بث الألفة بين الأفراد بمحبة الفرد للآخر في مثل قوله: "لا تبغض أخاك في قلبك ... لا تنتقم،