وزحفت الجيوش العربية عقب سنة 632 م تنقض على الإمبراطورية الرومانية البيزنطية، في عهد الإمبراطور هرقل وعلى الدولة الفارسية الساسانية في عهد ملوكها الذين يتعاقبون واحداً تلو الآخر، فتسحق الدولتين، وتتحقق نبوءة الملك نبوخذ نصر في الحلم الذي رآه وفسره له النبي دانيال، وهذا هو تفسير الحلم: "كنت تنظر وإذا بحجر يقطع من جبل بلا يدين هذا الحجر يسحق التمثال كعصافة تذروها الرياح". هذا الحجر هو الأمة العربية في شخص الرسول الكريم، سحق حضارات الأمم السابقة، ومنها الإمبراطورية الرومانية والدولة الفارسية الساسانية وأصبح الإسلام كالجبل وعلمه "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

وليس العجيب في أمر الغزوات العربية الدفاعية ضد اعتداء الدول المعادية - أن العرب اجترءوا على مهاجمة الفرس والروم وهما أكبر إمبراطوريتين عرفهما العالم بل التاريخ منذ فجر المسيحية حتى القرن السابع المسيحي - ليس العجيب هذا، بل العجيب في الأمر أن العرب غزوا فارس في نفس الوقت الذي غزوا فيه إمبراطورية الروم، وأحرزوا انتصاراتهم الضخمة الرائعة على الدولتين في وقت واحد، إذ تحركت الجيوش الإسلامية في صحراء فلسطين سنة 629 م على أثر انتهاء المعارك المريرة بين الإمبراطوريتين: الرومانية والفارسية، وكأن الله قد أراد للأرض خيرا بانتصار المسلمين إذ خذل به الباطل والبطش والغرور بعد أن مهد لذلك بما كانت تعانيه الإمبراطورية الرومانية من غزوات البرابرة المهاجمين لأراضيها في البلقان، وحركات انفصالية أخذت تقوى عند أقباط مصر، الآراميين في سوريا، والأرمن عند أطراف آسيا الصغرى، مما هدد كيانها ووحدتها تهديدا خطيرا.

وفي خلافة أبي بكر الصديق أمر بتسيير جيشين: أحدهما لغزو الروم، والثاني لغزو الفرس سنة 633 م. وهكذا أخذت الجيوش العربية - بقيادة أبي عبيدة الجراح - تعمل في الشام ضد الروم، في حين كان الجيش الثاني بقيادة خالد بن الوليد يعمل في العراق ضد الفرس.

وقد حاول الإمبراطور هرقل إرسال قوة ضاربة بقيادة أخيه تيودور لإنقاذ الموقف في فلسطين، ولكن القائد العربي المغوار خالد بن الوليد أتى مسرعا من العراق لنجدة إخوانه بالشام، وبذلك أمكن إنزال هزيمة ساحقة بالقوات البيزنطية في موقعة أجنادين سنة 634 م.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015