فمفهوم جلي بغير نظر واستدلال، ومن الضلال البعيد بيان الجليّ بالغامض. ولعَمْري من يطلق اسم الحد على كل لفظ جامع مانع فهذا عنده لا محالة حد. وكذا قوله الحادث ما ليس بقديم. ولكنّا نقول العقل أدرك الوجود ثم أدرك انقسامه إلى ما له أول بمعنى أنه لم يكن موجوداً ثم وجدوا لي ما لا أول له، فالقديم عبارة عن أحد القسمين والحادث الآخر. فنقول الحادث هو الموجود بعد العدم أو الكائن بعد أن لم يكن أو الموجود أو المسبوق بعدم أو الموجود عن عدم. وهذه ليست حدوداً بل الكل حد واحد والعبارات متكرّرة دون المعنى. لا كقول القائل إنه متعلق القدرة الحادثة لأنه حد آخر مفهومه الأول غير مفهوم هذه الحدود يلزم ذلك المفهوم، إذ يلزم متعلق القدرة أن يكون حادثاً وفرق بين المتلازمين وبين الشيء الواحد الذي عنه عبارتان. وقول القائل الموجود عن عدمٍ ليس بصحيح لأنه يقال السرير من الخشب، بمعنى أنه جعل الخشب سريرا والعدم لا يجعل وجوداً. فهذا أمر الاعتراضات النادرة. فإنا لا ننكر بأن لفظ عن مشترك، ولكن بينا أن المشترك إذا فهم بالقرينة التحق بالنص وهو معلوم هاهنا، ولست أمنع من الاجتهاد في الاحتراز عن المشترك فذلك أحسن، وإنما أمنع من استعظام هذا الصنيع الذي لا يعظم عند المحصل. فلا هذا مذموم كل ذلك الذم بعد حصول الفهم، ولا ذلك محمود كل ذلك الحمد؛ لاسيما إذا لم يفد الشرج. بل الأمر أهون، فما الظنون بل قول القائل موجود عن عدم أحمتُ إلي من قوله هو متعلق القدرة.
الامتحان الخامس: اختلف في حد المتضادين وليس من غرضي غير الحدود، ولكن العرض أن أفيدك طريق التحديد بعد أن. عينت في التماسك ذلك، فليكن نظرك في الحدود كما أقوله، وهو أن المتضادين دالان على شيئين لا محالة وكل شيئين فينقسمان إلى ما لهما محل وإلى ما لا محل لهما، وكل ما لهما محل فينقسمان إلى ما يجتمعان كالسواد والحركة وإلى ما لا يجتمعان. فينقسم إلى ما يختلف بالحد والحقيقة كالسواد والبياض وإلى ما لا يختلف. والذي لا يختلف أيضاً ينقسم إلى ما لا يجوز أن يكون لواحد عارض أو لازم ليس للآخر بل يسد أحدهما مسد الآخر في كل حال، كالبياضين والسوادين، وبالجملة كالمثلين. والى ما يتحد في الحدود والحقيقة ولا تختلف طباعهما، ولكن لا يسد أحدهما مسد الآخر، كالكونين في مكانين وليس كالكونين في مكان واحد، إذ لا يجتمع في الجوهر في حالة واحدة لا كونان في مكان واحد ولا كون في مكانين. والذي بينهما اختلاف ينقسم إلى ما بينهما غاية الخلاف الذي لا يمكن أن يكون وراءه خلاف كالسواد والبياض والحركة الصاعدة والحركة الهابطة والى ما ليس في الغاية،