كان الكلام سواء كان عبارة عن لوازمه أو ذاتياته، كقول القائل ما الخمر أي ما حد الخمر، فيقال هو المائع الذي يقذف بالزبد ثم يستحيل إلى الحموضة ويحفظ في الدن، والمقصود أن لا يتعرض لذاتياته، ولكن تجمع من عوارضه ولوازمه ما يساوي بجملته الخمر بحيث لا يخرج عنه خمر ولا يدخل فيه ما ليس بخمر. الثالث أن يقال ما الخمر فيقال هو شراب مسكر معتصر من العنب، فيكون ذلك كاشفاً عن كُنه حقيقته الذاتية، ويتبعه أيضاً أنه تمييز جامع مانع ولكن ليس المقصود التمييز بل تصور كُنه الشيء وحقيقته، ثم التميز يتبعه لا محالة. واسم الحد في العادة قد يُطلق على هذه الأجوبة الثلاثة على سبيل الاشتراك. فلنخترع لكل واحد اسماً ولنسئم الأول حداً لفظياً، إذ السائل ليس يطلب إلا شرح اللفظ، ولنسمَّ الثاني حداً رسمياً وهو طلب مترسم بالعلم غير متشوف إلى درك حقيقة الشيء، ولنسمَّ الثالث جداً حقيقياً إذ مدرك الطالب فيه درك حقيقة الشيء. وهذا الثالث شرطه أن يكون مشتملاً على جميع ذاتيات الشيء. فإنه لو سئل عن حد الحيوان فقال جسم فقد جاء بوصف كاف لو كان ذلك كافياً في الجمع والمنع، ولكنه ناقص بل حقه أن يضيف إليه المتحرك بالإرادة. فإن كُنه حقيقة الحيوان يدركه العقل بمجموع الأمرين. فأما المترسم الطالب للتمييز فيكفيه قولك حساس وإن لم تقل جسم أيضاً.
وأما الطلب الثالث: فمطلب لِمَ، وهو سؤال عن العلة وجوابه بالبرهان وقد سبق.
وأما الرابع: فهو مطلب أي وهو الذي يطلب تمييز ما عرف جملته عمّا اختلط به، كما إذا قيلَ ما الشجر فقلت إنه جسم، فينبغي أن يقال أي جسم هو فنقول هو نام. وأما مطلب كيف وأين ومتى وسائر صيغ السؤال فداخل في مطلب بل المطلوب به صفة الموجود.
القانون الثاني: إن الحاد ينبغي أن يكون بصيراً بالفرق بين الصفات الذاتية واللازمة والعَرَضية كما ذكرناه في الفن الأول من الكتاب، أعني به طالب الحد الحقيقي. إما الأول اللفظي فيتعلق بساذج اللغة، وأما الرسمي فمؤنته قليلة والأمر فيه سهل، فإن طالبه قانع بالجمع والقنع بأي لفظ كان، لص إنما الغويص العزيز الحد الذي سميناه حقيقياً، وليس ذلك إلا ذكر كمال المعاني التي بها قِوام ماهية الشيء، أعني بالماهية ما يطلب القائل بقوله ما هو. وان هذه صيغة طالب لحقيقة الشيء فلا يؤخذ في جواب الماهية إلا الذاتي، والذاتي ينقسم إلى عام يسمى جنساً وإلى أخص ويُسقى فصلاً، وإلى خاص ويُسمى نوعاً. فإن