النبيذ مسكر وتقول المسكر حرام، فليس قولك النبيذ حرام تكرار في المقدمتين بعدهما بل هذه ثلاث مقدمات متباينة اللفظ والمعنى، فعرفت أن النتيجة اللازمة غير المقدمات الملزم بها، وأن الملزمة اثنتان والنتيجة ثالثة سواهما. وأما وجه كونه حقاً فهو أن قولك المسكر حرام شامل لعموم النبيذ الذي هو أحد المسكرات، فقولك النبيذ حرام منطوِ فيه ولكن بالقوة لا بالفعل، إذ قد يحضر العام في الذهن ولا يحضر الخاص، فمن قال الجسم متحيّز لا يخطر بباله ذكر القطب فضلاً عن أن يخطر بباله مع ذلك حكمه بأنه متحيّز، فإذاً النتيجة موجودة في إحدى المقدمتين بالقوة ومعلومة بالفعل، والموجودة بالقوة القريبة ربما يُظن أنها موجودة بالفعل توهماً، فاعلم أن هذه النتَيجة لا تخرج من القوة إلى الفعل بمجرد العلم بمقدمتين ما لم تحضر المقدمتين في الذهن ويخطر بباله وجه وجود النتيجة في المقدمة بالقوة، وإذا تأملت ذلك صارت النتيجة بالفعل، إذ لا يبعد أن ينظر الناظر إلى بغلة منتفخة البطن فيتوهم أنها حامل ولو قيل له هل تعلم أن البغلة عاقر فيقول نعم، فإن قيل له فهل تعلم أن هذه بغلة فيقول نعم، فيقال كيف توهمت أنها حامل فيتعجب هو من توهم نفسه مع علمه بالمقدمتين، أي علمه أن كل بغلة عاقر وهذه بغلة فهي إذاً عاقر والعاقر هي التي لا تحمل، فإذا هي لا تحمل. وانتفاخ البطن له أسباب سوى الحمل فإذاً انتفاخها من سبب اًخر، ولما كان السبب الخاص القريب لحصول النتيجة في الذهن التفطن لوجود النتيجة بالقوة في المقدمة أشكل على الضعفاء، فلم يعرفوا أن وجه الدليل عين المدلول أو غيره. والحق أن المدلول هو المطلوب المنتج وأنه عين التفطن لوجوده في المقدمة بالقوة، لكن هذا التفطن هو سبب حصوله على سبيل التولد عند المعتزلة وعلى سبيل استعداد الذهن بحضور هذه المقدمات مع هذا التفطن لفيضان النتيجة من عند واهب الصور المعقولة الذي هو العقل الفعال عند الفلاسفة، وعلى سبيل تضمن المقدمات للنتيجة بطريق اللزوم الذي لا بد منه عند أكثر أصحابنا المحالف للتولد الذي ذكره المعتزلة، وعلى سبيل حصوله بقدرة الله تعالى عقيب حصول المقدمتين في الذهن، والتفطن لوجه تضمنه له بطريق إجراء الله العادة على وجه يتصور خرقها بأن لا يخلق عقيب تمام النظر عند بعض أصحابنا، ثم ذلك من غير نسبة له إلى القدرة الحادثة عند بعضهم بل بحيث لا تتعلق بها قدرة العبد، وإنما قدرته على استحضار المقدمتين ومطالعة وجه تضمن المقدمة للنتيجة على معنى وجودها فيها بالقوة فقط. فأما صيرورة النتيجة بالفعل فلا تتعلق به القدرة، وعند بعضهم تتعلق به القدرة
الحادثة فيكون العلم النظري كسب العبد، وإيضاح الرأي الحق من جملة ذلك لا يليق بما هو النظر الفاسد ما هو، وترى الكتب مشحونة بتطويلات في معنى هذه الألفاظ من غير شفاء. وإنما الكشف يحصل بالطريق الذي سلكناه فقط لا ينبغي أن يكون شغفك بالكلام المعتاد المشهور بل بالكلام المفيد الموضح، وان خالف المعتاد. ة فيكون العلم النظري كسب العبد، وإيضاح الرأي الحق من جملة ذلك لا يليق بما هو النظر الفاسد ما هو، وترى الكتب مشحونة بتطويلات في معنى هذه الألفاظ من