فَكَيفَ تَنَالُ في الدُّنيا سُرُوُرًا ... وأَيّامُ الحَياةِ إِلىَ انْسِلاخِ
وإنَّ سُرُورَهَا فيمَا عَهِدْنَا ... مَشُوبٌ بالبُكَاءِ وبالصُّرَاخِ
فَقَدْ عَمِيَ ابنُ آدَمَ لا يَراهَا ... عَمًى أفْضَى إلىَ صَمَمِ الصّمَاخِ
أخَي قدْ طَالَ لُبْثُكَ فِي الفَسَادِ ... وبِئْسَ الزَادُ زَادُكَ لِلْمَعَادِ
صَبا مِنْكَ الفُؤاد فَلَمْ تَزَعْهُ ... وَحِدْتَ إلى مُتَابَعَةِ الفُؤادِ
وقادَتْكَ المَعَاصي حَيثُ شَاءَتْ ... وأَلْفَتَكَ امْرَءًا سَلِسَ القِيَادِ
لَقَدْ نُودِيتَ لِلتَّرحَالِ فاسْمَعْ ... ولا تَتصَامَمَنَّ عن المُنَادِي
كَفَاكَ مَشيبُ رأسِكَ مِنْ نَذِيرٍ ... وَغالَبَ لَونُهُ لَونَ السَّوادِ
ودُنْيَاكَ التِّي غَرَّتْكَ مِنْهَا ... زَخَارِفُها تَصِيرُ إلى انْجِذَاذِ
تَزَحْزَحْ عَنْ مَهَالِكِهَا بِجُهْدٍ ... فَمَا أصْغَى إِليهَا ذُو نَفَاذ
لَقدْ مُزِجَتْ حَلاَوتُها بسُمٍّ ... فَمَا كالحِذْرِ مِنْها مِن مَلاذِ
عَجِبْتُ لمُعْجَبٍ بنَعِيمِ دُنْيا ... ومَغْبوُنٍ بِأَيَّامٍ لِذَاذِ ...
ومُؤْثِرٍ المُقَامَ بأرْضِ قَفْرٍ ... عَلَى بَلَدٍ حَصِيبٍ ذِي رَذَاذِ
هَلِ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا جَمْيعًا ... سِوَى ظِلٍّ يَزُولُ مَعَ النَّهَارِ
تَفَكَّرْ أَينَ أصْحَابُ السَّرَايَا ... وأرْبابُ الصَّوَافِنِ والعِشَارِ
وأينَ الأَعْظَمُونَ يَدًا وبَأْسًا ... وأَين السَّابقُونَ لِذِي الفَخَارِ
وأيَنَ القَرْنُ بَعْدَ القَرْنِ منهُمْ ... مِنَ الخُلَفَاءِ والشُّمِّ الكِبَارِ
كَأنْ لَمْ يُخْلَقُوا أو لَمْ يَكُونُوا ... وهَلْ أحَدٌ يُصَانُ مِنَ البَوَارِ
أَيَعْتَزُّ الفَتَى بالمَالِ زَهْوًا ... وما فِيها يفُوتُ عن اعْتِزَازِ
ويَطْلُبُ دَولَة الدُّنْيا جُنُونًا ... ودَولَتُها مُحَالِفَةُ المَخَازِي
ونَحْنُ وكُلُّ مَن فِيهَا كَسَفْرٍ ... دَنَا مِنّا الرَّحِيلُ على الوَفَازِ