وقال رحمه الله تعالى:
أَلاَ يا نَفْسُ ما أَرْجو بِدارِ ... أرى مَنْ حَلَّها قَلقَ الْقَرارِ
بِدارٍ إنَّما اللَّذاتُ فيها ... مُعَلَّقَةٌ بِأيّامٍ قِصارِ
نَرى الأَمْوالَ أرْبابًا عَلَيْنا ... ومَا هِيَ بَيْنَنا إِلا عَوارِ
كَأنْي قَدْ أخَذُّتُ مِنَ الْمَنايا ... أَمانًا في رَواحي وَابتِكاري
إذا ما الْمَرْءُ لمْ يَقنَعْ بِعَيْش ... تَقَنَّعَ بِالْمَذَلَّةِ والصَّغارِ
قال أيضًا:
لأَمْرٍ ما خُلِقْتَ فَما الْغُرورُ ... لأَمْرٍ ما تُحَثُّ بِكَ الشُّهورُ
ألَسْتَ تَرى الخُطْوبَ لهَا رَواحٌ ... عَلَيْكَ بِصَرْفِها وَلَها بُكُورُ
أَتَدْري ما يَنوبُكَ في اللَّيالي ... وَمَرْكَبُكَ الْجَموحُ بِكَ الْعَثورُ
كَأَنَّكَ لا تَرى في كُلِّ وَجْهٍ ... رَحى الْحَدَثانِ دائِرَةً تَدورُ
أَلا تَأْتي الْقُبورَ صَباحَ يَوْمٍ ... فَتَسْمَعَ ما تُخَبِّرُكَ الْقُبورُ
فإنَّ سُكونَها حَرَكٌ يُناجي ... كَأَنَّ بُطونَ غائِبِها ظُهورُ
فَيالَكِ رَقْدَةً في غِبِّ كَأْسٍ ... لِشارِبهِا بِلًى وَلَهُ نُشورُ
لَعَمْرُكَ ما يَنالُ الْفَضْلَ إِلاَّ ... تَقِيُّ الْقَلْبِ مُحْتَسِبٌ صَبورُ ...
أُخَيَّ أما تَرى دُنْياكَ دارًا ... تَموجُ بِأَهْلِها وَلَها بُحورُ
فَلا تَنسَ الْوَقارَ إِذا اسْتَخَفَّ الْـ ... ـحِجى حَدَثٌ يَطيشُ لَهُ الْوَقورُ
وَرُبَّ مُهَرِّ شٍ لَكَ في سُكونٍ ... كَأَنَّ لِسانَهُ السَّبُعُ الْعَقورُ
لِبَغْيِ النَّاسِ بَيْنَهُمُ دَبيبٌ ... تَضايَقُ عَنْ وَساوِسِهِ الصُّدورُ
أُعيذُكَ أنْ تُسَرَّ بِعَيْشِ دارِ ... قَليلاً ما يَدومُ بِها سُرورُ
بِدارٍ لا تَزالُ لِساكِنيها ... تُهَتَّكُ عَنْ فَضائِحِها السُّتورُ
ألاَ إنَّ الْيَقين عَلَيْهِ نورٌ ... وَإنَّ الشَّكَّ لَيْسَ عَلَيْهِ نورُ