أيُّها الْمَرْءُ الَّذي قَدْ أبى أنْ ... يَهْجُرَ اللَّهْوَ بِها وَالشَّبابا
وَبَنى فيها قُصورًَا ودُورًا ... وَبنى بَعْدَ الْقِبابِ الْقِبابا
وَرَأى كُلَّ قَبيحٍ جَميلاً ... وأبى لِلْغَيِّ إلاّ ارْتِكابا
أنْتَ في دارٍ تَرى الْمَوْتَ فيها ... مُسْتَشيطًا قَدْ أذَلَّ الرِّقابا
أبَتِ الدُّنْيا على كُلِّ حَيٍّ ... آخِرَ الأَيامِ إلا ذَهابا
إنَّما تَنْفي الْحَياةَ الْمَنايا ... مِثْلَما يَنْفي الْمَشيبُ الشَّبابا
ما أرى الدُّنْيا على كُلِّ حَيٍّ ... نالَها إلاّ أذًى وَعَذابا
بيْنَما الإِنْسانُ حيٌّ قَوِيٌّ ... إذ دَعاهُ يَوْمُهُ فَأجابا
غَيْرَ أنَّ الْمَوْتَ شَيْءٌ جَليلٌ ... يَتُرُكُ الدُّورَ يَبابًا خَرابا
أيُّ عَيْشٍ دامَ فيها لِحَيٍّ ... أيُّ حَيٍّ ماتَ فيها فَآبا
أيُّ مُلْكٍ كانَ فيها لِقَوْمٍ ... قَبْلَنا لَمْ يُسْلَبوهُ اسْتلاِبا
إنَّما داعي الْمَنايا يُنادي ... احْمِلوا الزّادَ وَشُدّوا الرِّكابا
جَعَلَ الرَّحْمنُ بَيْنَ الْمَنايا ... أنْفُسَ الْخَلْقِ جَميعًا نِهابا
لَيتَ شِعْري عَنْ لِساني أيَقْوى ... يَوْمَ عَرْضي أنْ يَرُدَّ الْجَوابا
لَيتَ شِعْري بِيَمِيِنَي أُعْطى ... أمْ شِمالي عِنْدَ ذاكَ الْكِتابا
سامِحِ النّاسَ فَإنّي أَراهُمْ ... أصْبَحوا إلاّ قَليلاً ذِئابا
أَفْشِ مَعْروفَكَ فيهم وَأكْثِرْ ... ثُمَّ لا تَبْغِ عَلَيْهِ ثَوابا
وَسَلِ اللهَ إذا خِفْتَ فَقْرًا ... فَهْوَ يُعْطيكَ الْعَطايا الرِّغابا
وقال أيضًا:
كَمْ لِلْحَوادِثِ مِنْ صُروفِ عَجائِبِ ... وَنَوائِبٍ مَوْصولَةٍ بِنَوائِبِ
وَلَقَدْ تَفاوَتَ مِنْ شَبابِكَ وَانْقَضى ... ما لَسْتَ تُبْصِرُهُ إلَيْكَ بِآيِبِ
تَبْغي مِنَ الدُّنْيا الْكَثيرَ وَإنَّمَا ... يَكْفيكَ مِنْها مِثْلُ زادِ الرّاكِبِ