ومِن مَلكٍ كانَ السُّروْرُ مِهَادُهُ ... مَعَ الآنَسِاتِ الخُرَّدِ الخَفِراتِ
غَدَا لا يَذُودُ الدُّودُ عَن حُرِّ وجْهِهِ ... وكان يَذُوْدُ الأُسْدَ في الأَجَماتِ
وعُوَّضَ أُنْسًا مِن ضِبَاءِ كِنَاسِهِ ... وَأرَامِهِ بالرُّقْشِ والحَشَرَاتِ
وصارَ بِبَطْنِ الأرضِ يَلْتَحفُ الثَّرى ... وكان يَجُرُّ الوَشْيَ وَالحَبَراتِ
وَلَمْ تُغْنِهِ أَنَصَارُهُ وجُنُودُهُ ... ولم تَحْمِهِ بِالبيضِ والأسَلاَتِ
وَمِمَّا شَجَانِي والشُجُوْنُ كَثِيْرَة ... ذُنُوبٌ عِظَامٌ أَسْبَلَتْ عَبَراتِ
وَأَقَلَقَنِي أنِّي أمُوْتُ مُفرِّطًا ... عَلَى أَنِّنِيْ خَلَّفْتُ بَعْدُ لَدَاتِي
وَأغْفَلْتُ أمْرِي بَعدهُم مُتثَبِطًا ... فَيَا عَجَبًا مِنِّي ومِن غَفَلاتِي
إِلَى الله أشَكُوْ جَهْلَ نَفْسِي فإنَّها ... تَمِيْلُ إلى الرَّاحَاتِ والشَّهَوَاتِ
ويا رُبَّ خِلٍّ كُنْتُ ذَا صِلَةٍ لَهُ ... يَرَى أنَّ دَفْنِي من أَجَلِّ صلاتِي
وَكُنْتُ لَهُ أُنْسًا وشَمْسًا مُنْيرَةً ... فَأَفْرَدَنِي في وَحْشَةِ الظُلُماتِ
سَأضْرِبُ فُسْطَادِي على عَسْكَرِ البِلَى ... وأُرْكُزُ فِيْهِ للنُّزُلِ قَنَاتِي
وَأرْكَبُ ظَهْرًا لاَ يَؤُوْبُ بِرَاكِبٍ ... ولا يُمْتَطَى إلاَّ إلىَ الهَلَكَاتِ
ولَيْسَ يُرَى إلاَّ بِسَاحَة ظَاعِنٍ ... إلى مَصْرَعِ الفَرْحاتِ والنَّزَحَاتِ
يُسَيِّرُ أدْنَى النَّاسِ سَيْرًا كَسَيْرِهِ ... بِأَرْفَعِ مَنْعِيّ مَن السَّرَوَاتِ
فطَورًا تَراهُ يَحْمِلُ الشُمَّ وَالرُّبَا ... وطَوْرًا تراهُ يَحْمِلُ الحَصَيَاتِ
وَرُبَّ حَصَاةٍ قَدْرُهَا فَوْقَ يَذْبُلٍ ... كَمقْبُوْلِ ما يُرْمَيَ مِن الجَمَراتِ
وكُلُّ صَغِيْر كانَ للهِ خَالِصًا ... يُرَبِّى على ما جَاءَ في الصَّدَقَاتِ
وكُلُ كَبِيْرٍ لاِ يَكُوْنُ لِوَجْهِهِ ... فَمِثْلُ رَمَادٍ طَارَ في الهَبَوَاتِ
ولَكِنَّهُ يُرْجَى لِمَنْ مَاتَ محْسِنًا ... ويُخْشَى عَلَى مَنْ مَاتَ في غَمَراتِ
وَمَا اليَوْمُ يَمْتَازُ التَّفَاضُل بَيْنَهُم ... ولكِنْ غَدًا يَمْتَازُ في الدَّرَجَاتِ
إذَا رُوِّعَ الخَاطِيٍ وَطَارَ فُؤآدُهُ ... وَأَفْرخَ رَوْعُ البِّرِ في الغُرُفَاتِ
وما يَعْرِفُ الإنْسانُ أيْنَ وَفَاتُهُ ... أفَي البَرِّ أمْ في البَحْرِ أمْ بِفَلاَةِ