الذاتي، ليعلم المتجلى له أنه ما رآه، وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا، وأجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبداً البتة، حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرئي ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة، هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية، وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق، فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى أعلا من هذا الدرج فما هو ثم أصلاً وما بعده إلا العدم المحض، فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها، وليست سوى عينه فاختلط الأمر وانبهم، فمنا من جهل في علمه فقال والعجز عن درك الإدراك إدراك (?) ومنا من علم فلم يقل مثل هذا القول وهو أعلا القول، بل أعطاه العلم السكوت ما أعطاه العجز، وهذا هو أعلا عالم بالله.
وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا منن مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فإن الرسالة والنبوة - أعني نبوة التشريع ورسالته - ينقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. والمرسلون من حيث كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء، وإن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل، كما أنه من وجه يكون أعلا. وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أساري بدر بالحكم فيهم، وفي