أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1 فجعل -سبحانه وتعالى- اتخاذهم للشفعاء شركا ونزَّه نفسه عنه؛ لأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فكيف يثبتون شفعاء لم يأذن الله لهم في الشفاعة، ولا يغنون عنهم من الله شيئا؟

فصل في أنواع العبادة الأربعة ودعوة الرسل كلهم إلى جعلها كلها لله وحده

والعبادة أنواع: اعتقادية –وهي أساسها-: وذلك أن يعتقد أنه الرب الواحد الأحد الذي له الخلق والأمر، وبيده النفع والضر، وأنه الذي لا شريك له، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وأنه لا معبود بحق إلا هو، وغير ذلك مما يجب له من لوازم الإلهية.

ومنها لفظية: وهي النطق بكلمة التوحيد، فَمَنْ اعتقد ما ذكر ولم ينطق بها لم يُحْقَنْ دمه ولا ماله، وكان كإبليس فإنه يعتقد التوحيد، بل ويقر به، ولم يمتثل أمر الله بالسجود فكفر، ومن نطق ولم يعتقد حُقِنَ ماله ودمه وحسابه على الله، وحكمه حكم المنافقين.

وبدنية: كالقيام والركوع والسجود في الصلاة، ومنها الصوم وأفعال الحج والطواف.

ومالية: كإخراج جزء من المال امتثالا لما أمر الله –تعالى- به.

وأنواع الواجبات والمندوبات في الأبدان والأموال والأفعال والأقوال كثيرة، لكن هذه أمهاتها.

وإذا تقررت هذه الأمور، فاعلم أن الله –تعالى- بعث الأنبياء -عليهم السلام- من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله بالعبادة، لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه، إذ هم مقرُّون بذلك كما ذكرناه، ولم يعبدوا الأصنام بالخضوع لهم، والتقرب بالنذور والنحر لهم إلا لاعتقادهم أنها تقرِّبهم إلى الله، وتشفع لهم لديه، فأرسل الله الرسل تأمرهم بترك عبادة كل ما سواه، وأن هذا الاعتقاد الذي يعتقدونه في الأنداد باطل، والتقرب إليهم باطل، وأن ذلك لا يكون إلا لله وحده، وأمر عباده أن يقولوا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015