ولا يصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله، وإلا كان كاذبا منهيا عن أن يقول هذه الكلمة، إذ معناها: نخصُّك بالعبادة ونفردك بها وهو معنى قوله: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} 1 و {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} 2 لما عرف من علم البيان أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، أي: لا تعبدوا إلا الله ولا تعبدوا غيره، ولا تتقوا إلا الله، ولا تتقوا غيره -كما في الكشاف-.
فإفراد الله –تعالى- بتوحيد العبادة لا يكون إلا بأن يتم جميعها كلها له، والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده، والاستغاثة والاستعانة بالله وحده، واللجأ إلى الله، والنذر له، والنحر له، وجميع أنواع العبادة، ومن يفعل شيئا من ذلك لمخلوق من حي أو ميت أو جماد فقد أشرك في العبادة، وصار من يفعل له هذه الأمور إلها لعابديه، سواء كان ملكا أو نبيا أو وليا أو شجرا أو قبرا أو جنيا، وصار بهذه العبادة أو بأي نوع منها عابدا لذلك المخلوق، وإن أقرَّ بالله وعبده، فإن إقرار المشركين بالله وتقربهم إليه لم يخرجهم عن الشرك، وعن وجوب سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونهب أموالهم، فإن الله –تعالى- أغنى الشركاء عن الشرك لا يقبل عملا شورك فيه غيره، ولا يؤمن به عبد عَبَدَ معه غيره، كما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" 3.
وقد عرفت من هذا كله أن من اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو ملك أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر، وأنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به إلى الرب –تعالى-، إلا ما ورد في حديث فيه مقال في حق نبينا صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك- فإنه قد أشرك مع الله غيره، واعتقد ما لا يحل اعتقاده؛ لقوله –تعالى-: {مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 4.