بمجرد التلفظ ماله ودمه، وهكذا كل من أظهر التوحيد وجب الكفُّ عنه إلى أن يتبين منه ما يخالف ذلك.
وقوع الشرك في توحيد الألوهية دون الربوبية
واعلم أن التوحيد قسمان:
القسم الأول: توحيد الربوبية والخالقية ونحوها، ومعناه: أن الله وحده هو الخالق للعالم، وهو الرب لهم والرازق لهم، وهذا لا ينكره المشركون، ولا يجعلون لله فيه شريكا، بل هم مقرُّون به كما أخبر الله عنهم في غير موضع من كتابه.
والقسم الثاني: توحيد العبادة، ومعناه: إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادة الآتي بيانها، فهذا هو الذي جعلوا لله فيه شركاء، ولفظ شريك يشعر بالإقرار بالله –تعالى-.
فالرسل -عليهم السلام- بُعِثُوا لتقرير الأول، ودعاء المشركين لله عند قولهم في خطاب المشركين: {أفِي اللَّهِ شَكٌّ} 1 {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 2 ولنهيهم عن شرك العبادة، وكذلك قال –تعالى-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} 3 أي: قائلين لأممهم: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} 4 وحده {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 5 وهو كل ما يعبد من دون الله، فأفاد بقوله –تعالى-: {فِي كُلِّ أُمَّةٍ} 6 أن جميع الأمم لم ترسل إليهم الرسل، وتبعث إلا بطلب توحيد العبادة لا للتعريف بأن الله هو الخالق للعالم، وأنه رب السماوات والأرض، فإنهم مقرون بذلك؛ ولهذا لم ترد الآيات في الغالب إلا بصيغة استفهام التقرير نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 7 {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} 8 {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 9 {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 10 {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} 11 {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} 12 استفهام تقرير لهم؛ لأنهم به مقرون.
وبهذا يُعْرَف أن المشركين لم يتخذوا الأوثان والأصنام، ولم يعبدوها ولم يتخذوا المسيح وأمه، ولم يتخذوا الملائكة شركاء لله –تعالى- في خلق السماوات والأرض وفي خلق أنفسهم، بل اتخذوهم أولياء يقربونهم إلى الله زلفى كما قالوه، فهم مقرون بالله –تعالى- في نفس كلمات كفرهم، وأنهم شفعاء عند الله –تعالى: {قُلْ