صرفت القبلة، فنزلت هذه الآية وقال مجاهد والحسن: نزلت في الداعي يستقبل أي جهة كان، لأنهم قالوا لما نزلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 1: أين ندعوه؟ قال الكلبي: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 2: فثم الله يعلم ويرى، والوجه صلة، كقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاََّ وَجْهَهُ} 3 أي: إلا هو. وقال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان: فثم قبلة الله، والوجه والوجهة والجهة: القبلة، وقوله: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} 4، ختم هذه الآية بهذين الاسمين الشريفين يشعر بما قاله الكلبي من أنه يعلم ويرى. ومن كان له أدنى شعور بعظمة الله وجلاله عرف صغر المخلوقات بأجمعها في جنب ما له -تعالى- من الصفات المقدسة، ولم يختلج في قلبه ريب ولا شك في الإيمان بهذه النصوص كلها، وعرف الجمع بينها وبين ما تقدم. فسبحان من جلت صفاته، عظمت أن يحاط بشيء منها.

[معنى قرب الله تعالى من خلقه]

وأما قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 5، فهذا القرب لا ينافي علوه على خلقه، واستواءه على عرشه، وفي الحديث: "وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء" 6. ولا يعرف هذا من ضاق نطاقه عن الإيمان بما جاءت به الرسل، وإنما يعرفه رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين. ومن أسمائه: العلي الأعلى، ومن أسمائه: القريب المجيب، ومن أسمائه: الظاهر الباطن. وكذلك قوله -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} 7 وقد حرّف السائل هذه الآية وقال: إنه قريب، وهذا قرب خاص يدعيه، وفي الحديث: " أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد" 8، حال السجود غاية في العبودية والخضوع، ولذلك صار له قرب خاص لا يشبهه سواه، وهذا مما يبين لك بطلان قول الجهمي: "إنه بذاته في كل مكان". ولو كان الأمر كما قال الضال لم يكن للمصلي والداعي خصوصية بالقرب، ولكان المصلي وعابد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015