من المشركين عدَّ هذا قادحا في نبوته، ولو كانوا يرونه عيبا لعابوه، ولقالوا: كنتم أنتم أيضا على الحالة المذمومة، ولو ذكروا هذا للرسل؛ لقالوا: كنا كغيرنا لم نعرف ما أوحي به إلينا، ولكنهم قالوا: {إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} 1، فقالت الرسل: {إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} 2. (قال) : وقد اتفقوا كلهم على جواز بعثة رسول لم يعرف ما جاءت به الرسل قبله من أمور النبوة والشرائع، ومن لم يقر بهذا الرسول بعد الرسالة فهو كافر. والرسل قبل الوحي قد كانت لا تعلم لهذا فضلا عن أن تقر به، فعلم أن عدم هذا العلم والإيمان لا يقدح في نبوتهم، بل الله إذا نبأهم علمهم ما لم يكونوا يعلمون. (قلت) : وقوله: وقد اتفقوا كلهم يعني أهل السنة والمعتزلة، ثم قال -تعالى-: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} 3، وقال -تعالى-: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ} 4، فجعل إنذارهم بعبادته وحده كإنذار يوم التلاق، كلاهما عرفوه بالوحي، واستدل على هذا بآيات إلى أن قال: وقد تنازع الناس في نبيناصلى الله عليه وسلم قبل النبوة، وفي معاني بعض هذه الآيات في قوله -تعالى-: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 5، وفي قوله: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ} 6، وقوله: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} 7، وما تنازعوا في معنى آية الأعراف وآية إبراهيم، فقال قوم: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على دين قومه، ولا كان يأكل ذبائحهم، وهذا هو المنقول عن أحمد، قال: من زعم أنه على دين قومه، فهو قول سوء، أليس كان لا يأكل ما ذبح على النصب؟ ثم قال الشيخ: ولعل أحمد قال: أليس كان لا يعبد الأصنام؟ فغلط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015