عليه لا يمنع بعثته وإلزام توقيره وتعظيمه، وإن وجد منه ضد ذلك قبل الرسالة، وأطال الكلام. ثم قال شيخ الإسلام: تحقيق القول في ذلك: إن الله –سبحانه وتعالى- إنما يصطفي لرسالته من كان خيار قومه كما قال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 1، وقال: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} 2 وقال: ومن نشأ بين قوم مشركين جهال لم يكن عليه نقص ولا غضاضة إذا كان على مثل دينهم إذا كان عندهم معروفا بالصدق والأمانة وفعل ما يعرفون وجوبه، واجتناب ما يعرفون قبحه، وقد قال -تعالى-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ً} 3. ولم يكن هؤلاء مستوجبين العذاب قبل الرسالة إذا كان لا هو ولا هم يعلمون ما أرسل به، وفرق بين من يرتكب ما لا يعلم قبحه، وبين من يفعل ما لا يعرف؛ فإن هذا الثاني لا يذمونه، ولا يعيبونه عليه، ولا يكون ما فعله مما هم عليه منفردا عنه بخلاف الأول؛ ولهذا لم يكن في أنبياء بني إسرائيل من كان معروفا بشرك، فإنهم نشؤوا على شريعة التوراة، وإنما ذكر هذا فيمن كان قبلهم. وأما ما ذكر –سبحانه- في قصة شعيب، والأنبياء فليس في هذا ما ينفر أحدا عن القبول منهم، وكذلك الصحابة الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد جاهليتهم، وكان فيهم من كان محمود الطريقة قبل الإسلام كأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فإنه لم يزل معروفا بالصدق، والأمانة، ومكارم الأخلاق، ولم يكن فيه قبل الإسلام ما يعيبونه به، والجاهلية كانت مشتركة فيهم كلهم. وقد تبين أن ما أخبر عنه قبل النبوة في القرآن من أمر الأنبياء ليس فيه ما ينفر أحدا عن تصديقهم، ولا يوجب طعن قومهم، ولهذا لم يكن يذكر عن أحد