نار المحبة في قلوب المحبين تخاف منها نار جهنم، قال الجنيد: "قالت النار: يا رب، لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء؟ قال: نعم؛ كنت أسلط عليك ناري الكبرى. قالت: وهل نار أعظم مني وأشد؟ قال: نعم؛ نار محبتي أسكنتها قلوب أوليائي المؤمنين"1. في الحديث: "من أصبح وهمه غير الله فليس من الله" قال بعضهم: من أخبرك أن وليه له هم في غيره فلا تصدقه.

وكان داود الطائي يقول: همك عطل على الهموم، وحالف بيني وبين السهاد وشوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات، وحال بيني وبين الشهوات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب.

ما لي شغل سواه ما لي شغل ... ما يصرف عن هواه قلبي عذل

ما أصنع إن جفا وخاب الأمل ... مني بدل ومنه ما لي بدل

إخواني: إذا فهمتم هذا المعنى فهمتم معنى قوله صلى الله عليه وسلم "من شهد أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار"فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها، فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله، ومتى بقي في القلب أثر سوى الله فمن قلة الصدق في قولها.

من صدق في قول لا إله إلا الله لم يحب سواه، لم يرْجُ سواه، لم يخْشَ أحدا إلا الله، لم يتوكل إلا على الله، لم يبق له بقية من أثر نفسه وهواه.

ومع هذا، فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة؛ وإنما هو مطالب كلما زلَّ أن يتلافى تلك الوصمة، قال زيد بن أسلم: "إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه أن يقول: اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك"2 وقال الشعبي: "إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015