أذكر كلاما ذكره الإمام الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن رجب -المتقدم ذكره- على كلمة الإخلاص يليق ذكره هنا، فإنه ذكر شيئا من تحقيق لا إله إلا الله، وتحقيق أن مُحَمَّدًا رسول الله، وما تقتضي لا إله إلا الله وشيئا من أنواع العبادة، وشيئا من الشرك، وشيئا من فضل لا إله إلا الله.

قال -رحمه الله- في أثناء كلامه:

فتحققه بقول لا إله إلا الله أن لا يؤله القلب غير الله؛ حبا ورجاء، وخوفا وتوكلا، واستعانة وخضوعا، وإنابة وطلبا.

وتحققه بأن مُحَمَّدًا رسول الله، أن لا يعبد الله بغير ما شرعه على لسان مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وقد جاء هذا المعنى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم صريحا أنه قال: "من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، قيل: ما إخلاصها يا رسول الله؟ قال: أن تحجزك عما حرَّم الله عليك"1 وهذا يُروى من حديث أنس بن مالك وزيد بن أرقم، ولكن إسنادهما لا يصح، وجاء أيضا من مراسيل الحسن نحوه.

وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: "لا إله إلا الله" يقتضي أن لا إله غير الله، والإله هو الذي يطاع فلا يعصى؛ هيبة له وإجلالا، ومحبة وخوفا ورجاء، وتوكلا عليه، وسؤالا منه، ودعاء له، ولا يصح ذلك كله إلا لله -عز وجل-، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي من خصائص الإلهية - كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول "لا إله إلا الله"، ونقصا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك؛ ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه، أو التوكل عليه، أو العمل لأجله. كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: ما لي إلا الله وأنت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015