(جواز الاستعانة بالأسباب الظاهرية الحسية)

وأما قوله في الأسباب العادية: مثل قول الرجل لابنه: رد إبلي علي أو لجاره رد ناقتي علي. فنقول:

لا نزاع بين العلماء في جواز الاستعانة بالأسباب العادية الطبيعية الظاهرة الحسية، كأن يستعين الرجل بأصحابه في قتال أو إدراك عدو أو سبع ونحوه من الأسباب العادية المتعلقة مسبباتها بأسبابها، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور. وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه، لكن هذه الأفعال العادية القائمة بفعالها تنسب إليه وتضاف إليه حقيقة، من إضافة الفعل إلى فاعله، فيقال: أكل وشرب وقام وقعد وحكى ودعا واستغاث حقيقة لا مجازًا بإجماع العقلاء، ولم يخالف في إضافة الأفعال إلى فاعلها حقيقة إلا من هو من أجهل الناس وأضلهم عن سواء السبيل.

إذا عرفت هذا؛ فالالتفات إلى الأسباب غير المشروعة شرك في التوحيد، ومحو الأسباب العادية أن تكون أسبابا نقص في العقل. والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع.

إذا تبين لك هذا فقياس الأموات من الأنبياء والصالحين في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله على الأحياء القادرين على الأسباب العادية المقدور عليها من أفسد القياس وأبطل الباطل وأمحل المحال؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- فرق بين الأحياء والأموات ولم يسو بينهما بقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ} 1.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} 2 وقال تعالي: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015