فلما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، كان المفهوم من قوله: "إنه في السماء"، أنه في العلو، وأنه فوق كل شيء. وإذا قيل العلو فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به، إذ ليس فوق العالم موجود إلا الله، وإن قدر أن السماء المراد بها الأفلاك، كان المراد أنه عليها كما قال: {لأصلبنكم في جذوع النخل} 1 وكما قال: {فسيروا في الأرض} 2، وكما قال: {فسيحوا في الأرض} 3، ويقال: فلان في الجبل وفي السطح، وإن كان على أعلى شيء فيه.
[ليس معنى قوله: "إن الله في السماء" أن السماء تحويه]
ومن فهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم أن الله في السماء أن هناك ظرفا يحيط به، فهذا فهم فاسد.
فإذا كانت السموات السبع بالنسبة إلى الكرسي كسبعة دراهم في ترس، والكرسي في العرش كحلقة في فلاة، والعرش مخلوق، فكيف يتوهم هذا في الخالق -جل وعز- الذي يطوي السموات بيمينه، والأرض بيده الأخرى؟ والله -سبحانه- أعظم وأكبر وأجل من كل شيء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 4.
قال ابن عباس: ما السموات السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم. فلما كان هذا مستقرا في نفوس المخاطبين، كان المفهوم عندهم من كونه -سبحانه- في السماء أن المراد بذلك العلو الذي هو ضد السفل، وأنه فوق كل شيء عال على كل شيء. ومن توهم من وصف الله -سبحانه- بأنه في السماء أن السماء تحيط به، وتحويه، فهو ضال إن اعتقده في ربه، وكاذب إن نقله عن غيره.
ولو سئل سائر المسلمين هل تفهمون من قول النبي صلى الله عليه وسلم أن الله في السماء أن السماء تحويه، لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول: هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا، وإذا كان الأمر هكذا، فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئا لا يفهمه الناس منه، بل هو محال عندهم، ثم يريد أن يتأوله؛ بل عند المسلمين أن الله في السماء وهو على