صلى الله عليه وسلم ربه بأنه في السماء كما في حديث البراء المذكور.

وكذلك حديث أبي هريرة الموافق لحديث البراء في إثبات وصف الله -سبحانه- بأنه في السماء، وكذلك حديث الرقية المرفوع في سنن أبي داود: "ربنا الله الذي في السماء"1 وكذلك قوله للجارية: أين الله؟ قالت: في السماء، فهذا أعلم الأمة بربه وأخشاهم له يصف ربه بأنه في السماء، ويشهد لمن وصفه بذلك بالإيمان.

ونقل الصحابة ألفاظه للتابعين، ونقلها التابعون، وبلغوها لمن بعدهم، وتداولها أهل الحديث وأئمة الإسلام، وأثبتوها في كتبهم، وأقروها على ظاهرها، وقالوا أمروها كما جاءت، وقالوا: تفسيرها قراءتها، فلما لم يتسع عطن هذا المعطل، لذلك حمله تعطيله وجهله على أن غير لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرفه، ولم يكفه تغيير معناه مع إقرار لفظه كما يفعله كثير، كقول القرطبي في تأويل هذا الحديث. فلهذا المحرف أوفر نصيب من مشابهة اليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ففيه تصديق قوله صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم"2.

[رد تأويل من أوّل "أن الله في السماء" وحقيقة معناها]

وأما تأويل من تأول كونه في السماء بأن أمره وحكمه ونحو ذلك، فهذا تأويل باطل قطعا، فإن أمره وحكمه لا يختص بسماء دون سماء، ولا بالسماء دون الأرض، وأيضا فيكفي في بطلانه أن القرون المفضلة أقروا هذه الأحاديث على ظاهرها، وكذلك سائر آيات الصفات وأحاديثها.

وأنكروا على من تأولها بنحو هذه التأويلات وبدعوهم، فإجماعهم على الإضراب عن تأويلها، وتبديعهم من تأولها، دليل قاطع على بطلان هذه التأويلات.

ومن توهم من قوله: "إنه -سبحانه- في السماء"، أنه سبحانه في داخل السموات فهو جاهل ضال، وليس هذا بمراد من اللفظ، ولا ظاهر فيه. إذ السماء يراد بها العلو، فكل ما علا فهو سماء، سواء كان فوق الأفلاك، أو تحتها كما قال -تعالى-: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلي السَّمَاءِ} 3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015