سمى الإسلام كفرا فقال: هذا المعنى لا يفهم من لفظه: ولا هو مراده، إنما مراده ومعنى لفظه أنك لست على دين الإسلام الذي هو حق، وإنما أنت كافر دينك غير الإسلام، وأنا على دين الإسلام. وهذا مراده بلا شك لأنه إنما وصف بالكفر الشخص لا دين الإسلام، فنفى عنه كونه على دين الإسلام، فلا يكفر بهذا القول، إنما يعزر بهذا السب الفاحش بما يليق به. ويلزم على ما قالوه أن من قال لعبد: يا فاسق، كفر لأنه سمى العبادة فسقا، ولا أحسب أحدا يقوله، وإنما يريد أنك تفسق، وتفعل مع عبادتك ما هو فسق، لا أن عبادتك فسق. انتهى.
وظاهر كلام النووي في شرح مسلم يوافق ذلك، فإنه لما ذكر الحديث قال: وهذا مما عده العلماء من المشكلات، فإن مذهب أهل الحق أن المسلم لا يكفر بالمعاصي كالقتل والزنى، وكذا قوله لأخيه: يا كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام.
ثم حكى في تأويل الأحاديث وجوها: "أحدها": أنه محمول على المستحل ومعنى "باء بها" بكلمة الكفر، وكذا "حارت عليه" في رواية أي: رجعت عليه كلمة الكفر، فباء وحار ورجع بمعنى. "الثاني": رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره. "الثالث": أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين، وهذا نقله القاضي عياض عن مالك، وهو ضعيف لأن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع. "الرابع": معناه أنه يؤول إلى الكفر، فإن المعاصي كما قالوا بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر. ويؤيده رواية أبي عوانة في مستخرجه على مسلم: "فإن كان كما قال، وإلا فقد باء بالكفر"1. "الخامس": فقد رجع بكفره، وليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير، كونه جعل أخاه المؤمن كافرا، فكأنه كفر نفسه، إما لأنه كفر من هو مثله، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان الإسلام. انتهى.
وقال ابن دقيق العيد في قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن دعا رجلا بالكفر وليس