هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها"1.
وفي استدلال أبي بكر واعتراض عمر -رضي الله عنهما- دليل على أنهما لم يحفظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حفظه ابن عمر وأنس وأبو هريرة، وكان هؤلاء الثلاثة سمعوا هذه الزيادة في روايتهم في مجلس آخر، فإن عمر لو سمع ذلك لما خالف، ولما كان احتج بالحديث، فإن هذه الزيادة حجة عليه، ولو سمع أبو بكر هذه الزيادة لاحتج بها، ولمَا كان احتج بالقياس والعموم. والله أعلم. انتهى كلام النووي -رحمه الله-.
وقال النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"2.
[معنى قوله عليه السلام: "وحسابه على الله"]
قال الخطابي: معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، ثم يقاتلون، ولا يرفع عنهم السيف. قال: ومعنى "وحسابه على الله"، أي فيما يسرونه ويخفونه، ففيه: أن من أظهر الإسلام، وأسر الكفر يقبل إسلامه في الظاهر، وهذا قول أكثر العلماء. وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل، ويحكى ذلك عن أحمد بن حنبل. هذا كلام الخطابي.
وذكر القاضي عياض معنى هذا، وزاد عليه، ووضحه، فقال: اختصاص عصمة المال والنفس لمن قال: لا إله إلا الله؛ تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد مشركو العرب وأهل الأوثان، ومن لا يوحد، وهم أول من دعي إلى الإسلام وقوتل. فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفى في عصمته بقول: لا إله إلا الله إذ كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده، فلذلك جاء في الحديث الآخر: "أني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة"3 وهذا كلام القاضي.