والعامة، وقد أخبر الله عن المشركين الأولين أنهم يخلصون عند الشدائد الدعاء له -سبحانه وتعالى- وينسون آلهتهم. ونصوص القرآن في ذلك كثيرة كما قال -سبحانه-: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 1، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ} 2، وقال: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} 3، {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا} 4.
فهذا إخباره -سبحانه- عن المشركين الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن الشرك، ويأمرهم بالتوحيد. وغالب مشركي أهل هذا الزمان بعكس ذلك.
[لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه]
وقول ابن القيم -رحمه الله-: غلب الشرك على أكثر النفوس، وسبب ذلك كله: ظهور الجهل وقلة العلم. فهذا قوله فيما شاهده في زمانه ببلاد الإسلام، فكيف لو رأى هذا الزمان؟ وفي الحديث: "لا يأتي زمان، إلا والذي بعده شر منه"5 قال ابن مسعود: "لا أقول زمان أخصب من زمان، ولا أمير خير من أمير، ولكن بذهاب خياركم وعلمائكم"، فكيف لو شاهد من يقول: إن الله أمر بطلب الحاجات من الأموات، ويقول: إنما الشرك هو السجود لغير الله لا غير، كما قال ذلك داود البغدادي مشافهة لي، فيلزمه إن قصد المشركين الأولين لآلهتهم كاللات والعزى ومناة، وكذلك هبل إذ طلب الحاجات منها، وكشف الكربات، والتقرب إليها بالنذور والذبائح، إن هذا ليس بشرك إذا لم يسجدوا لها. فيا سبحان الله!! كيف يبلغ الجهل بمن ينسب إلى علم إلى هذه الفضيحة!
[البدع التي يعذر فاعلها بالجهل والتأول ما لم تكن شركا بينا]
وقال ابن القيم -رحمه الله-: رأيت لأبي الوفاء ابن عقيل فصلا حسنا، فذكرته بلفظه قال: لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم.