التي تقصد بالتعظيم، والتبرك، والنذر، والتقبيل، فلا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض، مع القدرة على إزالتها. وكثير منها بمنْزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، بل أعظم شركا عندها وبها. والله المستعان.
ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق، وترزق، وتحيي وتميت، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، اتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع. وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل، وخفاء العلم، وصار المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة.
ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، وقلّ العلماء، وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس. ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. انتهى.
[عبادة القبور واتخاذها أوثانا]
فانظر قوله في المشاهد التي بنيت على القبور، كونها اتخذت أوثانا وطواغيت، وربما ينفر قلب الجاهل من تسمية قبر نبي، أو رجل صالح وثنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"1.
فهذا الحديث يبين أنه لو قصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة له، كان قاصده بذلك قد اتخذه وثنا، فكيف بغيره من القبور؟
وقوله -رحمه الله-: كثير منها بمنْزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، بل أعظم شركا عندها وبها. صدق -رحمه الله- لما شاهدنا في هذه الأزمنة من الغلو والشرك العظيم، من كون كثير من الغلاة عند الشدائد في البر والبحر يخلصون الدعاء لمعبوديهم، وكثير منهم ينسون الله عند الشدائد كما هو مستفيض عند الخاصة