وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسألة إلا عنهم. والمتأخرون لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقا أخرجوا من الملة بالكبائر، وقضوا على أصحابها بالخلود في النار، وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان، فأولئك غلوا، وهؤلاء جفوا، وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل. فهاهنا كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وظلم دون ظلم، فعن ابن عباس في قول: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 1 قال: ليس هو الكفر الذي تذهبون إليه، رواه عنه سفيان وعبد الرزاق، وفي رواية أخرى كفر لا ينقل عن الملة، وعن عطاء كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وهذا بيِّن في القرآن لمن تأمله؛ فإن الله -سبحانه- سمى الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا، وسمى الجاحد لما أنزل الله على رسوله كافرا، وسمى الكافر ظالما في قوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 2. وسمى من يتعدى حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالما، وقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} 3، وقال يونس -عليه السلام-: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} 4، وقال آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} 5، وقال موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} 6، وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم. وسمى الكافر فاسقا في قوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} 7، وقوله: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} 8، وسمى العاصي فاسقا في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 9، وقال في الذين يرمون المحصنات: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 10، وقال: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015