وكذلك قوله: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"1، 2، وقوله: "من أتى كاهنا فصدقه، أو أتى امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"3، 4. فهذا من الكفر العملي وليس كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه، وإن كان الكل يطلق عليه الكفر. وقد سمى الله -سبحانه- من عمل ببعض كتابه، وترك العمل ببعضه مؤمنا بما عمل به، وكافرا بما ترك العمل به، قال -تعالى-: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} 5 إلى قوله {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} 6 الآية، فأخبر -سبحانه- أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به، والتزموه؛ وهذا يدل على تصديقهم به. وأخبر أنهم عصوا أمره، وقتل فريق منهم فريقا آخر، وأخرجوهم من ديارهم، وهذا كفر بما أخذ عليهم. ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب، وكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق كافرين بما تركوه منه. فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي. وفي الحديث الصحيح: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"7 فرق بين سبابه وقتاله، وجعل أحدهما فسوقا لا يكفر به، والآخر كفر، ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي؛ وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لم يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة، وإن زال عنه اسم الإيمان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015