وييسرا لصاحب هوى وبدعة.
ونضرب لك مثلا هو أن رجلين تنازعا في آيات من كتاب الله أحدهما خارجي، والآخر مرجئ، قال الخارجي: إن قوله {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} 1 دليل على حبوط أعمال العصاة والفجار وبطلانها، إذ لا قائل إنهم من عباد الله المتقين. قال المرجئ: هي في الشرك فكل من اتقى الشرك يقبل عمله لقوله -تعالى-: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 2. قال الخارجي: قوله -تعالى-: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} 3 يرد ما ذهبت إليه. قال المرجئ: المعصية هنا الشرك بالله واتخاذ الأنداد معه لقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 4. قال الخارجي: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} 5 دليل على أن الفساق من أهل النار الخالدين فيها. قال له المرجئ في آخر الآية: {وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} 6 دليل على أن المراد من كذب الله ورسوله، والفاسق من أهل القبلة مؤمن كامل الإيمان. ومن وقف على هذه المناظرة من جهال الطلبة والأعاجم ظن أنها الغاية المقصودة، وعض عليها بالنواجذ، مع أن كلا القولين لا يرتضى، ولا يحكم بإصابته أهل العلم والهدى، وما عند السلف والراسخين في العلم خلاف هذا كله لأن الرجوع إلى السنة المبينة للناس ما نزل إليهم. وأما أهل البدع والأهواء فيستغنون عنها بآرائهم وأهوائهم وأذواقهم. وقد بلغني أنكم تأولتم قوله -تعالى-: في سورة محمد: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ} 7 على بعض ما يجري من أمراء الوقت من مكاتبة، أو مصالحة، أو هدنة لبعض رؤساء الضالين، والملوك المشركين