الثاني: بيان بمعنى الفصاحة التامة التي تسبي العقول وتغير الأفكار، وهي التي قال فيها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن من البيان لسحرا» .
وعلى هذا التقسيم تكون (من) للتبعيض، أي: بعض البيان -وهو البيان الكامل الذي هو الفصاحة- سحر.
أما إذا جعلنا البيان بمعنى الفصاحة فقط، صارت (من) لبيان الجنس.
ووجه كون البيان سحرا: أنه يأخذ بلب السامع، فيصرفه أو يعطفه، فيظن السامع أن الباطل حق لقوة تأثير المتكلم، فينصرف إليه، ولهذا إذا أتى إنسان يتكلم بكلام معناه باطل، لكن لقوة فصاحته وبيانه يسحر السامع حقا، فينصرف إليه، وإذا تكلم إنسان بليغ يحذر من حق، ولفصاحته وبيانه يظن السامع أن هذا الحق باطل، فينصرف عنه، وهذا من جنس السحر الذي يسمونه العطف والصرف، والبيان يحصل به عطف وصرف، فالبيان في الحقيقة بمعنى الفصاحة، ولا شك أنها تفعل فعل السحر، وابن القيم يقول عن الحور: حديثها السحر الحلال.
وقوله: (إن من البيان لسحرا) ، وهل هذا على سبيل الذم، أو على سبيل المدح، أو لبيان الواقع ثم ينظر إلى أثره؟
الجواب: الأخير هو المراد، فالبيان من حيث هو بيان لا يمدح عليه ولا يذم، ولكن ينظر إلى أثره، والمقصود منه، فإن كان المقصود منه رد الحق وإثبات الباطل، فهو مذموم؛ لأنه استعمال لنعمة الله في معصيته، وإن كان المقصود منه إثبات الحق وإبطال الباطل، فهو ممدوح، وإذا كان البيان يستعمل في طاعة الله وفي الدعوة إلى الله، فهو خير من العي، لكن إذا ابتلي الإنسان ببيان ليصد الناس عن دين الله، فهذا لا خير فيه، والعي خير منه، والبيان من حيث هو لا