وإذا كان بمعنى يصير الشيء على حال بعد أخرى تعدى إلى مفعولين، كقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} (?) و {جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا} (?) ومنه قوله تعالى هنا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.

ووسط الشيء: ما له طرفان، قال الأزهري: كل ما يبين بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة والمسبحة وحلقة الناس فهو بالتسكين، وما كان مصمتًا لا يبين بعضه من بعض كالدار والساحة فهو وسَط بالفتح قال: وقد أجازوا في الساكن الفتح، ولم يجيزوا في المفتوح الإسكان (?).

والوسط هنا صفة للأمة، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

وقد اختلف في معناه هنا، فالصحيح الذي لا يجوز غيره ما ثبت عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قال: "عدلًا" رواه الترمذي هكذا، وقال: حسن صحيح (?). وأخرجه البخاري أطول من هذا، وسيأتي، وحكى هذا القول الجوهري عن الخليل والأخفش وقطرب، وقد قال غيره:

همُ وسط يرضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى الليالي العظائم

وقيل: الوسط: الخيار، واختاره صاحب "الكشاف" (?) قال: لأنه يستعمل في الجمادات فيقال: سطة الدنانير أي: خيارها، فكانت أوساط الشيء، وهي الخيار، لكونها سالمة مما يصل إلى الأطراف من الخلل والإعواز قال الطائي:

كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبحت طرفَا

وتقول العرب: انزل وسط الوادي، أي: خير موضع منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015