وَسَطًا} وفيه أقوال:

أحدها: أنه راجع إلى الهداية المتقدمة في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (?) فتقدير الكلام كما أنعمنا عليكم بالهداية إلى الصراط المستقيم كذلك أنعمنا عليكم بأن جعلناكم أمةً وسطًا.

والثاني: أنه راجع إلى تحويل القبلة؛ فتقديره: وكما هديناكم إلى قبلة هي خير القبل كذلك جعلناكم أمةً وسطًا.

والثالث: أنه عائد على قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (?) ويكون معناه على هذا الوجه أن هذه الجهات مع استوائها في كونها ملك للَّه خص بعضها بمزيد الشرف بأن جعله قبلة حالة التقرب إليه، فكذلك الخلق لما اشتركوا في كونهم عباده سبحانه وتعالى خص هذه الأمة دون سائر الأمم بأن جعلهم أمةً وسطًا فضلًا منه وكرمًا.

الوجه الثاني: في تحقيق بعض مفرداتها

"جعل": لفظ عام في الأفعال كلها، وهو أعم من فعل وصنع وسائر أخواتها، ويستعمل لازمًا ومتعديًا إلى مفعول واحد وإلى مفعولين؛ فإذا استعمل بمعنى طفق نحو: جعل زيد يقول كذا وكذا؛ كان لازمًا، وإذا استعمل بمعنى أوجد تعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (?).

وكذلك إذا كان بمعنى شرع وحكم كقوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ} (?) ومنه قوله تعالى في هذه الآية: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} على أحد التأويلات، كما سيأتي بيانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015