وعلى هذا فاختلفوا في معنى هذا الحديث الأخير الذي ذكر فيه كَيْفِيَّةِ حَجِّ موسى عليه الصلاة والسلام فذكر فيه وجوه:
أَحَدُهَا: أن هذا على ظاهره؛ فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحياء بعد موتهم كالشهداء بل أفضل، واذا كانوا أحياء فلا يستبعد أن يحجوا ويصلوا ويتقربوا إلى اللَّه تعالى بما استطاعوا؛ لأنهم وان كانوا قد توفوا فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدتها ويعقبها الدار الآخرة التي هي دار الجزاء انقطع العمل.
وقد يقال أيضًا: إن هذه الأعمال تحبب إليهم فيتعبدون بما يجدون من دواعي أنفسهم لا بما يلزمون كما يحمده ويسبحه أهل الجنة، كما جاء في الحديث أنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس (?)، وهو معنى قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} (?) وإن كانت دار الجنة ليست بدار تكليف ولكن يكون ذلك على الوجه الذي ذكرنا، فكذلك حج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصلواتهم.
وَثَانِيهَا: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أري حالهم التي كانت في حياتهم ومثلوا له في حال حياتهم كيف كانوا وكيف حجهم وتلبيتهم.
وَثَالِثُهَا: أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر عما أوحي إليه من أمرهم وما كان منهم وإن لم يرهم، لكن جاء به في هذا النسق لقوة اليقين بصدق ذلك إذ كان عن وحي.
والقول الأول هو الأصح الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة من أنهم صلوات اللَّه عليهم أحياء في قبورهم (?):