يبقى في هذا إلا الرجوع إلى الأمر الاصطلاحي، وعلى كل تقدير فالحسن مما يحتج به ويجب قبوله بلا خلاف عندهم، وابن دحية ما أراد إلا أن يضعف طرق الحديث كلها ورد الخبر مع قوله أنه حسن قبل ذلك، وهذا ظاهر التناقض، واللَّه أعلم.
وأما حديث شداد بن أوس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي رحمهما اللَّه في كتاب "العلل" (?) له فقال:
سمعت أبي وذكر حديثًا رواه سويد بن عبد العزيز، عن يحيى بن الحارث، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ من شَوَّالٍ. . . ".
قال أبي: هذا وهم من سويد قد سمع يحيى بن الحارث هذا الحديث من أبي أسماء إنما أراد سويد ما حدثنا صفوان بن صالح قال: ثنا مروان الطاطري، عن يحيى بن حمزة، عن يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ من شَوَّالٍ. . . " الحديث.
فهذا أبو حاتم الرازي قد ذكره بسند متصل رواته عن آخرهم ثقات وليس فيهم مجروح ولم أجده في غير هذا الكتاب، وأبو الأشعث الصنعاني اسمه شراحيل، وهو شامي السكن، احتج به مسلم وبمروان بن محمد الطاطري وصفوان بن صالح، قال أبو داود: هو حجة. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات (?)، وباقي رجاله تقدم ذكرهم، ثم قال ابن أبي حاتم رحمهم اللَّه تعالى بعد ذلك في الكتاب المذكور: سئل أبي عن حديث رواه مروان الطاطري عن يحيى بن حمزة وذكر هذا الحديث، حديث شداد بن أوس قال: فسمعت أبي يقول: الناس يروون عن يحيى بن الحارث عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
قلت لأبي: أيهما الصحيح؟
قال: جميعًا صحيحين (?).