وقول الرازي: لو كان كذلك لاشتهر به بين سائر الصحابة ولم يتثبت في حديثه، يقال عليه أنه غير لازم؛ لأن القضية لم تكن بحضور جمع يسمع الحديث منهم ولم يعرف ذلك إلا من جهته، وقد شهدوا له بالحفظ كما تقدم عن جماعة منهم ولم يتثبت أحد منهم في حديثه، ولو وقع في بعض ذلك شيء من واحد منهم كان على وجه الاحتياط كما فى قصة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- مع المغيرة فى ميراث الجدة.
وقصة عمر -رضي اللَّه عنه- مع أبي موسى في الاستئذان ثلاثًا ولا يلزم من ذلك تطرق ريبة اليهما، وكذلك فعل ابن عمر في حديث أبي هريرة في اتباع الجنازة وقد سلم له أنه كان يلزم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ويغيبون في أشغالهم.
وأما قول عمر -رضي اللَّه عنه-: لألحقنك بجبال دوس، فلم يثبت عنه.
وقد ولاه عمر -رضي اللَّه عنه- البحرين مع عدم مداهنته.
وقال له عثمان -رضي اللَّه عنه-: حفظ اللَّه عليك دينك كما حفظت علينا ديننا.
وإنما عمر -رضي اللَّه عنه- كان يحب إقلال الرواية عن النبي -رضي اللَّه عنه- ويوصي بذلك كثيرًا من الصحابة أخذًا بالتوقي والاحتياط وحذرًا من زيادة أو نقصان يقعان من الراوي وهو لا يشعر، والروايات عنه بذلك ثابتة، فلم يكن ذلك مختصًّا بأبي هريرة دون غيره.
وأما نقض الرازي ذلك بنسيانه حديث: "لا عدوى" فلا يلزم؛ لأنه لم يصرح بأنه نسيه، وربما كتمه في ذلك الوقت لمصلحة رآها في الحاضرين يومئذ، ولو سلم أنه نسيه فلا يلزم منه دوام نسيانه بل ربما تذكره بعد ذلك.
وفي إجماع العلماء كافة على قبول قول أبي هريرة وتلقيه منه غنية ورد على ابن أبان ومن تبعه في رأيه، واللَّه ولي التوفيق.
وأما الكلام في أفراد الصحابة الذين لم يشتهروا بالعلم وأن حديثهم لا يقبل منه إلا ما وافق القياس فهو كما تقدم في الضعف، وعلى خلاف ما كان عليه الصحابة -رضي اللَّه عنهم-.
فقد ثبت عن ابن عباس أن عمر -رضي اللَّه عنه- سأل عن إملاص المرأة فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في جنينها بغرة. . . الحديث.