حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ، فَلَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي؟ ".
قال أبو هريرة: فبسطت نمرة كانت علي حتى قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مقالته فما نسيت شيئًا سمعته منه (?).
وأجاب عن ذلك بأن هذا لو كان كذلك لكانت هذه فضيلة اختص بها من بين الصحابة ولعرفوا له ذلك واشتهر بها حتى كانوا يرجعون إليه ويقدمون روايته على رواية غيره، ولم يقع ذلك، بل كانوا ينكرون كثرة روايته.
وأيضًا كيف يكون ذلك وقد روى حديث: "لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ" (?) ثم نسيه، وروى حديث "لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ" (?) وأنكر أن يكون حديثًا بالخبر الأول.
قال: على أنه لو صح الحديث في بسطه النمرة لكان محمولًا على ما سمعه في ذلك المجلس خاصة دون غيره، ثم ذكر بعد ذلك توقي من توقى من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في الرواية وتقليلهم منها.
قال: وهذا يدل على أن كثيرًا من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أشفقوا على حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أن يدخله خلل أو وهم، وإذا كان السهو والغلط جائزين على الرواة ثم ظهر من السلف إنكار لكثرة الرواية على بعضهم كان ذلك سببًا لاستعمال الرأي والاجتهاد فيما يرويه وعرضه على الأصول والنظائر.
وهذا الفصل كما تراه ظاهر الضعف مقتض لرد كثير من السنة الثابتة لمجرد الظن الفاسد، وليس في شيء مما ذكروه ما يقتضي توقفًا في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- ولا تطرق تهمة إليه، معاذ اللَّه من ذلك، أنى وقد شهد له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحرص على الحديث لما قال له: من أسعد الناس بشفاعتك؟
فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا أَحَدٌ قَبْلَكَ لَمَا رَأَيْتُ مِنَ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".