فقال: "يَا فَتًى لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ، أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ" (?).
فهذه القصة كانت قبل النبوة ولم يكن أسلم عبد اللَّه بن أبي الحمساء يومئذ قطعًا، ثم إنه لم يذكر له بعد ذلك صحبة مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا يعرف له إلا هذا الحديث الواحد، ولكن الظاهر أن له صحبة وإسلامًا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد ذكره جماعة ممن سكن البصرة من الصحابة، وعده بعضهم في المكيين.
فلو فرض في مثل هذا أنه أسلم في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يلقه بعد إسلامه، هل يكتفى بذلك اللقاء الأول مع إسلامه في زمنه ويعد صحابيًا بذلك؟
هذا مما فيه نظر واحتمال منقدح بخلاف من لم يسلم إلا بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ومن هذا النوع أيضًا سعيد بن حيوة الباهلي، رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجاهلية وهو صغير في حياة جده عبد المطلب وهو يتطلبه لما أبطأ عنه في قصة رويتاها من طريق داود بن أبي هند، عن العباس بن عبد الرحمن، عن كندير بن سعيد، عن أبيه.
قال ابن عبد البر: لا يعرف سعيد إلا بهذا الحديث (?).
قلت: ولم يذكر أحد له لقاء بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد المبعث، واللَّه أعلم.
الثاني: أن الصحابي إذا لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صحبه ثم ارتد بعد وفاته ثم رجع إلى الإسلام هل تحبط ردته ما ثبت له من شريف الصحبة حتى أنه لا يعد فيهم أو لا لأنه رجع إلى الإسلام بعد ذلك؟
وهذا مما فيه نظر، ولا يبعد على أصل الحنفية القائلين بأن هذا إسلام جديد يجب عليه فيه الحج وإن كان قد حج أولًا فقد حبط ذلك الحج أن يقال بأن صحبته للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بطل حكمها وبقي كمن لم يسلم إلا بعد وفاته.
وأما على أصول أصحابنا فلا يجيء ذلك؛ لأن الحبوط مشروط بالوفاة على الردة فلما رجع هذا إلى الإسلام بقي حكم الصحبة في حقه مستمرًّا؛ ولهذا ذكروا الأشعث ابن قيس من جملة الصحابة وعدوا أحاديثه من المسندات، وكان ممن ارتد بعد