بأن اسم الصحبة يقع على من له مجرد الرؤية كما تقدم، وهذا الدليل لا يطابق المدعى؛ لأن من رأى شخصًا من بعيد ولم يكلمه ولا صحبه لحظة لا يقال له أنه صحبه لا من حيث الوضع ولا من حيث العرف قطعًا، فلا يستقيم الدليل إلا لمن قال بالقول الثاني أنه لا يكتفى بمجرد اللقاء بل لابد مما ينطلق عليه اسم الصحبة من ملابسة ما إما بكلام أو مماشاة ونحو ذلك دون من رآه من بعيد وقتًا ما كأبي الطفل وأمثاله.
الثاني: إن هذا التقسيم والاستفهام إنما يجيئان في مطلق اسم الصحبة التي هي المصدر وكذلك الفعل، فأما اسم الفاعل الذي هو الصاحب فلا ينطلق إلا على الملازم الذي كثرت منه الصحبة كما يقال: المزني والربيع صاحبا الشافعي، وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة، ونحو ذلك، صرح بذلك الراغب وغيره (?).
فلا يلزم من كون الصحبة للقدر المشترك بين القليل والكثير أن يكون الصاحب كذلك، ولا يحسن الاستفهام عند إطلاق لفظ الصاحب كما يحسن عند إطلاق الفعل أو المصدر، وكذلك الحنث في اليمين أيضًا؛ فإنه إذا حلف أن لا يكون صاحبًا لفلان لم يحنث بصحبته ساعة لطيفة، وهذا هو المأخذ الذي اعتبره المازري في تحصيص الحكم بالعدالة لمن اشتهر من الصحابة دون من قلت صحبته أو كان له مجرد الرؤية، فلا يبقى في إدراج من كان له مجرد الرؤية في عداد الصحابة إلا لشرف المنزلة أعطي من رآه حكم الصحبة.
وقد روى شعبة، عن موسى السبلاني وأثنى عليه خيرًا، قال: أتيت أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- فقلت: هل بقي من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحد غيرك؟
قال: بقي ناس من الأعراب قد رأوه، فأما من صحبه فلا.
قال ابن الصلاح: إسناده جيد، حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة (?).
قلت: وهو يقتضي التفرقة بين الرائي ومن يطلق عليه اسم الصاحب.