المتقدم ومن بعدهم يمنع ذلك فاقتصر به على المتحقق وهو الكناية وجعل ذلك إنما يعتبر مع النية فيه.
وأما الإِمام الشافعي فإنه جمع بين هذه الماخذ كلها وبين أقوال الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على وجه حسن كما سيأتي تقريره إن شاء اللَّه تعالى مع تفريع مسائل المذهب في هذه اللفظة، فهذه إشارة إلى مأخذ الأقوال المتقدمة، وهذا كله في حق الزوجة.
أما إذا قال ذلك لأمته: فمذهب الشافعي أنه إن نوى عتقها به عتقت، وإن نوى تحريم عينها لزمه كفارة يمين ولم يكن يمينًا، وإن لم ينو شيئًا فالقولان المتقدمان وأصحهما أنه يلزمه بذلك كفارة يمين، وبه قال جمهور العلماء فيما حكاه القاضي عياض.
وَالثَّانِي: هو لغو ولا يلزمه شيء وهو مذهب مالك في الصورتين، وحكى القرطبي في "شرح مسلم" عن مالك أنه يقع به العتق إذا نواه.
وقال أبو حنيفة: إذا حرم الأمة كان يمينًا ويجب عليه الكفارة بالمخالفة، وطرد ذلك في سائر المباحات من المطعوم والمشروب والملبوس ونحو ذلك، ومذهب الشافعي ومالك وجمهور العلماء أن تحريم ذلك لغو ولا شيء فيه.
وهذا له تعلق بالآية الكريمة وما روي في سبب (ص 17) نزولها عليه والآثار في ذلك متعارضة: ففي "صحيح مسلم" (?) من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، سمع عائشة -رضي اللَّه عنهم- تخبر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلًا، قالت: فتواطئت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟
فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال: "بَل شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَب بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ" فنزل {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لعائشة وحفصة، {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لقوله: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا".
وأخرجه البخاري من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريج بهذا السند وفيه