وجعل ابن حزم هذا قولًا آخر مباينًا لما تقدم وهو قول مشكل؛ لأن التحريم إن كان يقتضي فراقًا فهو الطلاق وإلا فهو الظهار، فوجب الكفارة ويمتنع به الوطء حتى يكفر أو يكون يمينًا فلا بد له إن حنث من الكفارة، وإما تحريم لا إلى غاية ولا كفارة فيه ولا يقتضي فرقة فهو عدم النظير، ويشبه أن يكون هذا قولًا بالوقف عن الحكم فيه بشيء، وقد عده بعضهم قولًا مباينًا أيضًا لما تقدم وأسند فيه إلى ما تقدم من رواية الشعبي عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال لمن سأله: لا آمرك أن تتقدم، ولا آمرك أن تتأخر.
وهذا لا ينبغي أن يعد قولًا في المسألة لأنه ليس بحكم بل (ص 14) هو عدم للقول بشيء فلا حاصل له ولالما نقله ابن حزم أَيضًا، ثم إن القول الذي اختاره واحتج له هو ما تقدم أولًا أنه لا يلزم به شيء ظاهره أنه وإن نوى به الطلاق أو الظهار فلا يقعان به وذلك جار على طريقته أن الطلاق لا يقع بشيء من الكنايات مع النية ولا ينفذ إلا بلفظ الطلاق والفراق والسراح وكذلك الظهار يتقيد نفوذه بلفظه المشهور فيه وهي طريقة ضعيفة، وقد ثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال لابنة الحارث لما قالت له: أعوذ باللَّه منك: "الحقي بأهلك" (?).
وثبت في حديث توبة كعب بن مالك -رضي اللَّه عنه- أنه قال لامرأته: الحقي باهلك حتى يقضي اللَّه في هذا الأمر، ولم يكن ذلك طلاقًا (?).
فجمع العلماء بينهما بأن وقوعه في لفظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان مع نية الطلاق، وفي قول كعب -رضي اللَّه عنه- لم ينو به طلاقًا فلم يقع عليه فكذلك بقية الكنايات، وموضع البسط في ذلك غير هذه الأوراق.
وأما اختلاف الأقوال المتقدمة فالسبب فيه أن مسألة الحرام لم يرد فيها نص صريح ولا ظاهر في الكتاب والسنة يوقف عنده.
واختلف العلماء في سبب نزول قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قوله: