حنبل: له أشياء منكرات (?).

وأما الحديث الأول فليس بالصريح في الذي قاله لا يمنع أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان بمكة يستقبل بيت المقدس وإنما خص المدينة بالذكر لما بعد الهجرة إليها؛ لأن ذاك هو الذي شاهده البراء -رضي اللَّه عنه- دون مكة.

والقول الثاني: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان فرضه الصلاة إلى بيت المقدس ولكنه كان إذا صلى وهو بمكة يجعل الكعبة بين يديه ولا يستدبرها، فلما قدم المدينة لم يمكنه عند استقبال بيت المقدس إلا أن يستدبر الكعبة فإنما ظهر الفرق بين صلاته في البلدين، وهذا القول أقوى من حيث الدليل وهو اختيار أبي القاسم السهيلي وغيره، والحجة له ما روى أبو عوانة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي نحو بيت المقدس وهو بمكة والكعبة بين يديه وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرًا ثم صرف إلى الكعبة (?).

ورواه أبو داود في كتاب "الناسخ والمنسوخ" عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن أبي عوانة وهذا إسناد صحيح جيد.

ويشهد لذلك أيضًا قصة البراء بن معرور -رضي اللَّه عنه- وهي مشهورة في السيرة أنه أول من توجه إلى الكعبة قبل أن يقدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكان ذلك عند مسير الأنصار إلى مكة من أجل بيعة العقبة فقال البراء: لقد رأيت أن لا أجعل هذه القبلة مني بظهر يعني الكعبة. فقالت الأنصار: ما بلغنا أن نبينا يتوجه إلى بيت المقدس فخالفهم وتوجه إلى الكعبة في صلاته، فلما قدموا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سأله البراء بن معرور -رضي اللَّه عنه- عن صنيعه ذلك، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَقَدْ كُنْتَ عَلَى قِبلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيهَا" (?).

ففي هذا أيضًا دليل صريح على أن التوجه قبل الهجرة إنما كان إلى بيت المقدس. فهذا ما يتعلق بالإعراب الذي أشار إليه صاحب "الكشاف".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015