وحذر وعجل ويقظ وليس ذلك كمجيء غفور وشكور وصبرر فإنه أكثر فكان أولى، وقال الشاعر:
نطيع نبينا ونطيع ربًّا ... هو الرحمن كان بنا رءوفا
وأما من قرأ "رؤف" فقال: إن ذلك هو الغالب على أهل الحجاز ومنه قول الوليد بن عقبة لمعاوية بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنهما-:
وشر الطالبين فلا تكنه ... يقاتل عمه الرؤف الرحيم
الوجه الثالث: في إعراب هذه الآية الكريمة وما يتصل بها من علمي المعاني والبيان.
الكاف في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ} في محل النصب نعت لمصدر محذوف تقديره أنعمنا عليكم بأن جعلناكم أمة وسطًا إنعامًا كما أنعمنا عليكم بالهداية.
و {الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} محله النصب لكن اختلف في تقدير ناصبه بحسب الاختلاف في "جعل" معناها وما أريد بالقبلة:
فقيل: إن "جعل" هنا يعني: شرع، فيكون معنى الكلام وما شرعنا القبلة التي كنت عليها يعني بيت المقدس إلا ابتلاءً وامتحانًا؛ لأن اللَّه تعالى علم أنه يرجعهم بعد ذلك إلى الكعبة.
وقال بعضهم: إن اللَّه تعالى تعبد نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- أولًا بالصلاة إلى بيت المقدس؛ لأن العرب كانت تحب الكعبة ويشق عليهم استقبال غيرها فكانت الصلاة إليها أولًا امتحانًا ليظهر به إيمان المؤمن عند صبره على التوجه إلى غير الكعبة ونفاق المنافق عند مخالفته، وعلى هذا القول الموصول وصلته صفة للقبلة أو عطف بيان.
وقيل: بل المعني بالقبلة هاهنا الكعبة، و"كنت" بمعنى صرت كما قيل في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (?) أي: صريح، فيكون تقدير الكلام وما شرعنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، والتي